يريد أنّ (ربّ) دخلت على (ما) وهي لا تدخل إلا على نكرة فتنكير (ما) كتنكير (من) قال : وتقول : قلّ ما سرت حتى أدخلها من قبل أنّ قلّما نفي لقوله كثر ما كما أنّ ما سرت نفي لقوله : سرت ألا ترى أنه قبيح أن تقول : قلما سرت فأدخلها كما يقبح في ما سرت إذا أردت معنى فإذا أنا أدخل إنما قبحه ؛ لأنه إذا لم يكن سير لم يكن دخول فكذلك قلّما لمّا أريد بها النفي كان حكمها حكم قال وتقول : قلّما سرت فأدخلها فاتنصب بالغاءها هنا كما تنصب فيما قال.
وتقول : قلّما سرت إذا عنيت سيرا واحدا. أو عنيت غير سير كأنك قد تنفي كثير من السير الواحد كما تنفيه من غير سير يريد بقوله : من غير سير أي سيرا بعد سير.
قال الأخفش : الدليل على أن أقلّ رجل يجري مجرى ربّ وما أشبهها أنّك تقول : أقلّ امرأة تقول ذاك فتجعل اللفظ على امرأة وأقلّ امرأتين يقولان ذاك فينفي أقلّ كأنه ليس له خبر
__________________
وحنيف أدرك الجاهلية والإسلام ، ولا تعرف له صحبة. وقال ابن حجر في الإصابة : هو مخضرم ، ذكره المزرباني ، وروى له هذه الأبيات عمر بن شبة ، ووجد أيضا في أبيات لأعرابي. وهي :
يا قليل العزاء في الأهوال |
|
وكثير الهموم والأوجال |
اصبر النفس عند كل ملمّ |
|
إن في الصبر حيلة المحتال |
لا تضيقن بالأمور فقديك |
|
شف غماؤها بغير احتيال |
ربما تكره النفوس من الأم |
|
ر له فرجة كحل العقال |
قد يصاب الجبان في آخر الص |
|
ف وينجو مقارع الأبطال |
ورواها صاحب الحماسة البصرية لحنيف بن عمير المذكور ، وقيل أنها لنهار ابن أخت مسيلمة الكذاب ، لعنه الله. ونسبها العيني لأمية بن أبي الصلت. وهذا لا أصل له. وقوله : يا قليل العزاء هو بالفتح ، بمعنى الصبر والتجلد. وقوله : اصبر النفس ، أي : احبسها. والملم : الحادث من حوادث الدهر ، وهو اسم فاعل من ألم ، إذا نزل. وغماؤها : مبهمها ومشكلها ؛ وهو بالغين المعجمة ، يقال : أمر غمة ، أي : مبهم ملتبس. ويقال :صمنا بالغمى ، بفتح الغين وضمها ، وصمنا للغماء على فعلاء ، بالفتح والمد ، إذا غم الهلال على الناس وستره عنه غيم ونحوه. وصحفه العيني فقال : عماؤها بالعين المهملة وتشديد الميم للضرورة. والعماء في اللغة :
السحاب الرقيق ، سمي بذلك لكونه يعمي الأبصار عن رؤية ما وراءه. وأراد بها ما يحول بين النفس ومرادها. هذا كلامه. انظر خزانة الأدب ٢ / ٣٠٥.