قال سيبويه : وسمعت الخليل يقول في انفعل من (وجلت) : اوّجل كما قالوا : امّحى لأنّها نون زيدت في مثال لا تضاعف فيه الواو فصار هذا بمنزلة المنفصل في قولك : من مثلك وكذلك إن بنيت (انفعل) من (يئس) قلت : إيّاس ، وإذا كانت مع الباء لم تتبين ، وذلك قولك : شمباء لأنّك لا تدغم النون وإنما تحوّلها ميما والميم لا تقع ساكنة قبل الباء في كلمة فليس في هذا لبس ولا تعلم النون وقعت في الكلام ساكنة قبل راء ولا لام ليس في الكلام مثل : قنر ولا.
عنل وإنّما احتمل ذلك في الواو والياء لبعد المخارج وليس حرف من الحروف التي تكون النون معها من الخياشيم تدغم في النون لم تدغم فيهنّ.
فأمّا اللام فقد تدغم في النون ، وذلك قولك : هنّرى. فتدغم في النون والبيان أحسن ؛ لأنه قد امتنع أن يدغم في النون ما أدغمت فيه سوى اللام فكأنّهم يستوحشون من الإدغام فيها ولم يدغموا الميم في النون لأنّها لا تدغم في الياء التي هي من مخرجها فلمّا لم تدغم فيما هو من مخرجها كانت من غيره أبعد ولام المعرفة تدغم في ثلاثة عشر حرفا ولا يجوز فيها معهن إلّا الإدغام لكثرة لام المعرفة في الكلام وكثرة موافقتها لهذه الحروف واللام من طرف اللسان وهذه الحروف أحد عشر حرفا منها من طرف اللسان وحرفان بخالطان طرف اللسان فلمّا اجتمع فيها هذا وكثرتها في الكلام لم يجز إلا الإدغام والأحد عشر حرفا : النون والواو والدال والتاء والصاد والطاء والزاي والسين والظاء والثاء والذال.
وقد خالطتها الضاد والشين ؛ لأن الضاد استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج الطاء ، وذلك قولك : النعمان والرجل فكذلك سائر هذه الحروف فإذا كانت غير لام المعرفة نحو لام (هل وبل) ، فإن الإدغام في بعضها أحسن ، وذلك قولك : هرّأيت ؛ لأن الراء أقرب الحروف إلى اللام ، وإن لم تدغم فهي لغة لأهل الحجاز وهي عربية جائزة وهي مع الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين جائزة وليس ككثرتها مع الراء وإنّما جاز الإدغام ؛ لأن آخر مخرج اللام قريب من مخرجها وهي حروف طرف اللسان وهي مع الظاء والثاء والذال جائزة وليس كحسنه مع هؤلاء وإنّما جاز الإدغام لأنّهنّ مع الثنايا وهنّ من حروف طرف