كأنه قال : (إياك) ثم أضمر بعد (إياك) فعلا آخر فقال : اتق المراء.
وقال الخليل : لو أنّ رجلا قال : إياك نفسك لم أعنفه يريد أن (الكاف) اسم وموضعها خفض.
قال سيبويه : وحدثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابيا يقول : (إذا بلغ الستين فإيّاه وإيّا الشواب) ومن ذلك : (ما شأنك وزيدا) كأنه قال : (وما شأنك وملابسة زيدا) وإنما فعلوا ذلك فرارا من العطف على المضمر المخفوض وحكوا ما أنت وزيدا وما شأن عبد الله وزيدا كأنه قال ما كان : فأما : ويله وأخاه فانتصب بالفعل الذي نصب ويله كأنّك قلت ألزمه الله ويله.
وإن قلت : ويل له وأخاه نصبت ؛ لأن فيه ذلك المعنى ومن ذلك سقيا ورعيا وخيبة ودفرا وجدعا وعقرا وبؤسا وأفة وتفة له وبعدا وسحقا وتعسا وتبّا وبهرا وجميع هذا بدل من الفعل كأنه قال : سقاك الله ورعاك ، وأما ذكرهم (لك) بعد (سقيا) فليبينوا المعنى بالدعاء وليس بمبني على الأول ومنه : (تربا) وجندلا أي : ألزمك الله وقالوا : فاها لفيك يريدون : الداهية ومنه هنيئا مريا ومنها ويلك وويحك وويسك وويبك وعولك لا يتكلم به مفردا ولا يكون إلا بعد (ويلك) ومن ذلك سبحان الله ومعاذ الله وريحانه وعمرك الله إلا فعلت وقعدك الله إلا فعلت بمنزلة : نشدتك الله وزعم الخليل : أنه تمثيل لا يتكلم به ومنه قولهم : كرما وصلفا وفيه معنى التعجب كأنه قال : (ألزمك الله) وصار بدلا من أكرم به وأصلف به ومنه : لبيك وسعديك وحنانيك وهذا مثنى وجميع ذا الباب إنما يعرف بالسماع ولا يقاس وفيما ذكرنا ما يدلّك على الشيء المحذوف إذا سمعته ومن ذلك قولهم : (مررت به فإذا له صوت صوت
__________________
و" المراء" : مصدر ماريته أماريه مماراة ومراء. أي : جادلته. ويقال ماريته أيضا : إذا طعنت في قوله ، تزييفا للقول ، وتصغيرا للقائل. ولا يكون المراء إلا اعتراضا ، بخلاف الجدال : فإنه يكون ابتداء ، واعتراضا. والجدال مصدر جادل : إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب كذا في" المصباح". انظر خزانة الأدب ١ / ٣٣٢.