قال اليعقوبي في تاريخه (١) (٢ / ١٩٢) : بويع معاوية بالكوفة في ذي القعدة سنة (٤٠) وأحضر الناس لبيعته ، وكان الرجل يحضر فيقول : والله يا معاوية إنّي لأُبايعك وإنّي لكارهٌ لك. فيقول : بايع فإنَّ الله قد جعل في المكروه خيراً كثيراً ، ويأتي الآخر فيقول : أعوذ بالله من شرّ نفسك.
وأتاه قيس بن سعد بن عبادة ، فقال : بايع قيس. قال : إنّي كنت لأكرهُ مثل هذا اليوم يا معاوية. فقال له : مَه رحمك الله. فقال : لقد حرصت أن أفرّق بين روحك وجسدك قبل ذلك ، فأبى الله يا ابن أبي سفيان إلاّ ما أحبَّ. قال : فلا يُردّ أمر الله.
قال : فأقبل قيس على الناس بوجهه فقال : يا معشر الناس لقد اعتضتم الشرّ من الخير ، واستبدلتم الذلّ من العزّ ، والكفر من الإيمان ، فأصبحتم بعد ولاية أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وابن عمّ رسول ربّ العالمين ، وقد وَليَكم الطليق ابن الطليق ، يسومكم الخسف ، ويسير فيكم بالعسف ، فكيف تجهل ذلك أنفسكم؟ أم طبع الله على قلوبكم وأنتم لا تعقلون؟
فجثا معاوية على ركبته ، ثمّ أخذ بيده ، وقال : أقسمت عليك. ثمَّ صفق على كفّه ونادى الناس : بايعَ قيس. فقال : كذبتم والله ما بايعتُ. ولم يبايع لمعاوية أحدٌ إلاّ أُخذ عليه الأَيْمان ، فكان أوّل من استحلف على بيعته.
أخرج الحافظ عبد الرزّاق ، عن ابن عُيينة ، قال : قدم قيس بن سعد على معاوية ، فقال له معاوية : وأنت يا قيس ، تُلْجِمُ عليَّ مع من ألجم؟ أما والله لقد كنت أُحبُّ أن لا تأتيني هذا اليوم إلاّ وقد ظفر بك ظفر من أظافري موجع. فقال له قيس : وأنا والله قد كنت كارهاً أن أقوم في هذا المقام ، فأحيّيك بهذه التحيّة. فقال له معاوية : ولِمَ؟ وهل أنتَ إلاّ حبر من أحبار اليهود؟ فقال له قيس : وأنت يا معاوية كنت صنماً من أصنام الجاهليّة ، دخلت في الإسلام كارهاً ، وخرجت منه طائعاً ، فقال
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٢١٦.