وقال محمد : أرى أنَّك شيخ قريش وصاحب أمرها ، وإنْ تَصَرّمَ هذا الأمر وأنت فيه خاملٌ تصاغر أمرك ، فالحق بجماعة أهل الشام فكن يداً من أيديها ، واطلب بدم عثمان ، فإنّك قد استنمت فيه إلى بني أميّة.
فقال عمرو : أمّا أنت يا عبد الله ، فأمَرتَني بما هو خيرٌ لي في ديني ، وأمّا أنت يا محمد فأمرتني بما هو خيرٌ لي في دنياي ، وأنا ناظرٌ فيه. فلمّا جنّه الليل رفع صوته وأهله ينظرون إليه :
تطاولَ ليلي للهمومِ الطوارقِ |
|
وخوفِ التي تجلو وجوهَ العوائقِ |
وإنَّ ابنَ هندٍ سائلي أنْ أزورَهُ |
|
وتلك التي فيها بناتُ البوائقِ |
أتاه جريرٌ من عليٍّ بخُطّةٍ |
|
أمرّت عليه العيش ذات مضائقِ |
فإن نالَ منّي ما يُؤمّلُ ردّهُ |
|
وإن لم يَنَلْهُ ذَلَّ ذُلَّ المطابِقِ (١) |
فو الله ما أدري وما كنتُ هكذا |
|
أكونُ ومهما قادني فهو سائقي |
أُخادعُهُ إنَّ الخداعَ دنيّةٌ |
|
أم اعطيهِ من نفسي نصيحةَ وامقِ |
أم اقعُدُ في بيتي وفي ذاكَ راحةٌ |
|
لشيخٍ يخافُ الموتَ في كلِّ شارقِ |
وقد قال عبدُ الله قولاً تعلّقتْ |
|
به النفسُ إن لم تقتطعني عوائقي |
وخالفَهُ فيهِ أخوه محمد |
|
وإنّي لَصَلْبُ العود عند الحقائقِ |
فقال عبد الله : رحل الشيخ. وفي لفظ اليعقوبي : بال الشيخ على عقبيه وباع دينه بدنياه.
فلمّا أصبح دعا عمرو غلامه وردان وكان داهياً مارداً ، فقال : ارحل يا وردان ، ثمّ قال : حطَّ يا وردان ، ثمّ قال : ارحل يا وردان ، حطَّ يا وردان!
فقال له وردان : خلطت أبا عبد الله! أما إنّك إن شئتَ أنبأتك بما في نفسك. قال :
__________________
(١) المطابقة : المشي في القيد.