قال له معاوية : أُدنُ منّي برأسك أُسارّك. قال : فدنا منه عمرو يسارّه ، فعضّ معاوية أُذنه ، وقال : هذه خدعة ، هل ترى في البيت أحداً غيري وغيرك؟ فأنشأ عمرو يقول :
معاويَ لا أُعطيك ديني ولم أنَلْ |
|
بذلك دنيا فانظُرَنْ كيف تصنعُ |
فإن تُعطني مصراً فأرْبِحْ بصفقةٍ |
|
أخذتَ بها شيخاً يضُرُّ وينفُعُ (١) |
وما الدينُ والدنيا سواءٌ وإنّني |
|
لآخذ ما تُعطي ورأسي مقنَّعُ |
ولكنَّني أُغضي الجفون وإنّني |
|
لأخدَعُ نفسي والمخادِع يُخدَعُ |
وأُعطيك أمراً فيه للمُلك قوّةٌ |
|
وإنّي به إن زلّتِ النعلُ أصرعُ |
وتمنعني مصراً وليست برغبةٍ (٢) |
|
وإنّي بذا الممنوعِ قِدماً لَمُولَعُ |
قال : أبا عبد الله ، ألم تعلم أنّ مصر مثل العراق؟ قال : بلى. ولكنّها إنّما تكون لي إذا كانت لك ، وإنّما تكون لك إذا غلبتَ عليّا على العراق ، وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى عليٍّ.
قال : فدخل عتبة بن أبي سفيان ، فقال لمعاوية : أما ترضى أن تشتري عَمْراً بمصر إن هي صفت لك؟ ليتك لا تُغْلَبُ على الشام. فقال معاوية : يا عتبة بت عندنا الليلة.
فلمّا جُنَّ على عتبة الليل ، رفع صوته ليُسمع معاوية ، وقال :
أيّها المانع سيفاً لم يُهزّ |
|
وإنّما مِلْتَ على خزٍّ قزّ |
إنّما أنت خروفٌ ماثلٌ |
|
بين ضَرْعَينِ وصوفٍ لم يُجزْ |
أعطِ عَمْراً إنَّ عَمْراً تاركٌ |
|
دينَهُ اليوم لدنياً لم تُحَزْ |
__________________
(١) البيتان يوجدان في عيون الأخبار لابن قتيبة : ١ / ١٨١. (المؤلف)
(٢) الرغبة ـ بكسر المهملة وفتحها ـ : العطاء الكثير. (المؤلف)