قال : ليس كلّ ما ذكرت عظيماً ، أمّا ابن أبي حذيفة ، فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه ، أن تبعث إليه خيلاً تقتله أو تأتيك به ، وإن فاتك لا يضرُّك.
وأمّا قيصر : فاهدِ له من وصفاء (١) الروم ووصائفها ، وآنية الذهب والفضّة ، وسله الموادعة ، فإنّه إليها سريع.
وأمّا عليٌّ : فلا والله يا معاوية! ما تسوّي العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء ، إنَّ له في الحرب لَحَظّا ما هو لأحد من قريش ، وإنّه لصاحب ما هو فيه إلاّ أن تظلمه.
وفي رواية أخرى : قال معاوية : يا أبا عبد الله إنّي أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربّه ، وقتل الخليفة ، وأظهر الفتنة ، وفرّق الجماعة ، وقطع الرحم.
قال عمرو : إلى مَن؟ قال : إلى جهاد عليّ.
فقال عمرو : والله يا معاوية ما أنت وعليٌّ بعِكمي (٢) بعير ، ما لَكَ هجرتُه ، ولا سابقته ، ولا صحبته ، ولا جهاده ، ولا فقهه ، ولا علمه ، والله إنَّ له مع ذلك حدّا وحدوداً ، وحظّا وحظوةً ، وبلاءً من الله حسناً ، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه؟ وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر. قال : حكمك. قال : مصر طعمة. فتلكّأ عليه (٣).
وفي حديث ، قال له معاوية : إنّي أكره لك أن يتحدّث العرب عنك ، إنّك إنّما دخلتَ في هذا الأمر لغرض الدنيا. قال : دعني عنك (٤). قال معاوية : إنّي لو شئت أن أُمنّيك وأخدعك لفعلتُ. قال عمرو : لا لعمر الله ما مثلي يُخدع ، لأنا أكيس من ذلك.
__________________
(١) الوصيف : الغلام دون المراهق ، الجمع وصفاء ، مؤنّثه : الوصيفة ، والجمع وصائف. (المؤلف)
(٢) العكم ـ بالكسر ـ : العدل ـ بالكسر. (المؤلف)
(٣) تلكّأ عن الأمر : أبطأ وتوقّف. (المؤلف)
(٤) مرّ تحليل هذه الكلمة : ص ١٢٦. (المؤلف)