ومماليكه ، فلمّا دخلت المدينة أتت دار أخيها عمرو بن غانم ، فقال لها يزيد : إنَّ أبا عبد الرحمن يأمرك أن تصيري إلى دار ضيافته ، وكانت لا تعرفه.
فقالت : من أنت كلأك الله؟ قال : يزيد بن معاوية. قالت : فلا رعاك الله يا ناقص لست بزائد. فتمعّر لون يزيد ، فأتى أباه فأخبره ، فقال : هي أسنُّ قريش وأعظمهم. فقال يزيد : كم تعدُّ لها يا أمير المؤمنين؟ قال : كانت تعدُّ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة عام ، وهي من بقيّة الكرام.
فلمّا كان من الغد ، أتاها معاوية فسلّم عليها. فقالت : على المؤمنين السلام وعلى الكافرين الهوان. ثمَّ قالت : من منكم ابن العاص (١)؟ قال عمرو : ها أنا ذا. فقالت : وأنت تسبُّ قريشاً وبني هاشم؟ وأنت أهل السبِّ ، وفيك السبُّ ، وإليك يعود السبُّ ، يا عمرو إنّي والله لعارفةٌ بعيوبك وعيوب أمِّك ، وإنّي أذكر لك ذلك عيباً عيباً : وُلدت من أمة سوداء ، مجنونة حمقاء ، تبول من قيام ، وتعلوها اللئام ، إذا لامسها الفحل كانت نطفتها أنفذ من نطفته ، ركبها في يوم واحد أربعون رجلاً ، وأمّا أنت فقد رأيتك غاوياً غير راشد ، ومفسداً غير صالح ، ولقد رأيتَ فحل زوجتك على فراشك ، فما غرت ولا أنكرت ، وأمّا أنت يا معاوية فما كنت في خير ولا رُبِّيت في خير ، فمالك ولبني هاشم؟ أنساء بني أميّة كنسائهم؟ .. الحديث. وهو طويلٌ وقد حذفنا من أوّله مقدار ما ذكر ، راجع المحاسن والأضداد للجاحظ (٢) (ص ١٠٢ ـ ١٠٤) ، وفي طبعةٍ (١١٨ ـ ١٢١) ، والمحاسن والمساوئ للبيهقي (٣) (١ / ٦٩ ـ ٧١).
هذه حقيقة الرجل ونفسيّاته وروحيّاته منذ العهد الجاهليِّ ، وفي دور النبوّة وبعده إلى ما أثاره من فتن التقت بها حلقتا البطان في أيّام أمير المؤمنين عليهالسلام ، يوم تحيّزه إلى ابن آكلة الأكباد لدحض الحقِّ وأهله ، وما كان يتحرّى فيها من الغوائل
__________________
(١) في لفظ الجاحظ : أفيكم عمرو بن العاص؟ (المؤلف)
(٢) المحاسن والأضداد : ص ٨٨ ٩٠.
(٣) المحاسن والمساوئ : ص ٩١ ٩٤.