وبعدها ، إلى أن اصطلمه القدر الحاتم ، واخترمته منيّته يوم خابت أمنيّته ، فطفق يتقلقل بين أطباق الجحيم ، وتضربه زبانيتها بمقامع من حديد ، ولعلّنا ألمسناك هذه الحقيقة باليد ، فلن تجد في تضاعيف هاتيك الأعوام له مأثرةً يتبجّح بها ابن أنثى ، خلا ما تقوّله زبائنه من أعداء أهل البيت عليهمالسلام ، وما عسى أن يكون مقيلها من ظلِّ الحقِّ؟ بعد ما أثبتناه من الحقيقة الراهنة ، ووقفنا عليه من أحوال رواة السوء وشناشنهم في افتعال المدائح للزعانفة المؤتلفة معهم في النزعات الباطلة.
وأمّا تأميره في غزوة ذات السلاسل فلا يجديه نفعاً بعد ما علمناه من أنَّه كان يتظاهر بالإسلام ، ويبطن النفاق في طيلة حياته ، وما كان الصالح العامّ والحكمة الإلهيّة يحدوان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على العمل بالبواطن ، وإنّما يجاري القوم مجاري ظواهرهم ؛ لأنَّهم حديثو عهد بالجاهليّة ، والإسلام لمّا يتحكّم في أفئدتهم ، فلو كاشفهم على السرائر لانتكصوا على أعقابهم ، وتقهقروا إلى جاهليّتهم الأولى ، فكان يسايرهم على هذا الظاهر ، لعلّهم يتمرّنون باعتناق الدين ، ويأخذ من قلوبهم محلّه ؛ ولذلك إنَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعلم بنفاق كثير من أصحابه كما أخبره الله تعالى بقوله (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) (١) إلى غيرها من الآيات الكريمة ، لكنَّه يستر عليهم رعاية لما أبرمه حذار الانتكاث ، فكان تأمير عمرو ـ مع علمه بنفاقه ـ لتلك الحكمة البالغة ، غير ملازم لحسن حاله على ما عرفته من كلام مولانا أمير المؤمنين ، من أنَّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا عقد له الراية شرط عليه شرطاً قد أخلفه.
ويُعرب عن حقيقة ما نرتئيه قول أبي عمرو وغيره : إنَّ عمرو بن العاص ادّعى على أهل الإسكندريّة أنّهم قد نقضوا العهد الذي كان عاهدهم ، فعمد إليها فحارب أهلها وافتتحها ، وقتل المقاتلة ، وسبى الذريّة ، فنقم ذلك عليه عثمان ، ولم يصحّ عنده نقضهم العهد ، فأمر بردّ السبي الذي سبوا من القرى إلى مواضعهم ، وعزل عمراً عن
__________________
(١) التوبة : ١٠١.