ولمّا قصد الثوّار إلى المدينة ، أخرج لهم عثمان عليّا ، فكلّمهم فرجعوا عنه ، وخطب عثمان الناس فقال : إنَّ هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمرٌ ، فلمّا تيقّنوا أنّه باطلٌ ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم. فناداه عمرو بن العاص من ناحية المسجد : اتَّق الله يا عثمان فإنَّك قد ركبت نهابير (١) وركبناها معك ، فتب إلى الله نتب ، فناداه عثمان فقال : وإنّك هناك يا ابن النابغة ، قَمَلت والله جبّتك منذ تركتك من العمل. وفي لفظ البلاذري في الأنساب (٢) : يا ابن النابغة وإنّك ممّن تُؤلّب عليَّ الطغام ، لأنّي عزلتك عن مصر.
فلمّا كان حصر عثمان الأوّل ، خرج عمرو من المدينة حتى انتهى إلى أرض له بفلسطين يقال لها : السبع ، فنزل بها ، وكان يقول : أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحةً نكأتها ، والله إن كنت لألقى الراعي فأحرِّضه عليه. وفي لفظ البلاذري : وجعل يحرِّض الناس على عثمان حتى رعاة الغنم.
فبينما هو بقصره بفلسطين ، إذ مرَّ به راكب من المدينة ، فسأله عمرو عن عثمان ، فقال : تركته محصوراً. قال عمرو : أنا أبو عبد الله قد يضرط العير والمكواة في النار ، فلمّا بلغه مقتل عثمان ، قال عمرو : أنا أبو عبد الله ، قتلته وأنا بوادي السباع ، من يلي هذا الأمر من بعده؟ إن يله طلحة فهو فتى العرب سيباً ، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلاّ سيستنظف الحقَ (٣) ، وهو أكره من يليه إليَّ.
فلمّا بلغه أنَّ علياً قد بويع له ، اشتدّ عليه وتربّص لينظر ما يصنع الناس ، ثمَّ نمى إليه أنَّ معاوية بالشام يأبى أن يبايع عليّا ، وأنّه يُعظِمُ قتل عثمان ، ويحرِّضُ على الطلب بدمه ، فاستشار ابنيه عبد الله ومحمداً في الأمر ، وقال : ما تريان؟ أمّا عليٌّ فلا
__________________
(١) جمع نهبورة بالضم : المهلكة. (المؤلف)
(٢) أنساب الاشراف : ٢ / ٢٨٢ رقم ٣٦٠.
(٣) استنظف الشيءَ : أخذ كلّه. (المؤلف)