خير عنده وهو رجلٌ يَدِلُ (١) بسابقته ، وهو غيرُ مشركي في شيء من أمره. فقال عبد الله بن عمرو : توفّي النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ ، وتوفّي أبو بكر رضى الله عنه وهو عنك راضٍ ، وتوفّي عمر رضى الله عنه وهو عنك راضٍ ، أرى أن تكفَّ يدك وتجلس في بيتك ، حتى يجتمع الناس على إمام فتبايعه. وقال محمد بن عمرو : أنت نابٌ من أنياب العرب ، فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوت ولا ذكر.
قال عمرو : أمّا أنت يا عبد الله فأمرتني بالذي هو خير لي في آخرتي وأسلم في ديني ، وأمّا أنت يا محمد فأمرتني بالذي أنبه لي في دنياي وأشرّ لي في آخرتي.
ثمَّ خرج عمرو بن العاص ومعه ابناه حتى قدم على معاوية ، فوجد أهل الشام يحضّون معاوية على الطلب بدم عثمان ، فقال عمرو بن العاص : أنتم على الحقِّ ، اطلبوا بدم الخليفة المظلوم. ومعاوية لا يلتفت إلى قول عمرو ، فقال ابنا عمرو لعمرو : ألا ترى إلى معاوية لا يلتفت إلى قولك؟! انصرف إلى غيره ، فدخل عمرو على معاوية ، فقال : والله لعجب لك إنّي أرفدك بما أرفدك وأنت معرضٌ عنّي؟ أَم والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة ، إنَّ في النفس من ذلك ما فيها ، حيث نقاتلُ من تعلمُ سابقته وفضله وقرابته ، ولكنّا إنّما أردنا هذه الدنيا. فصالحه معاوية ، وعطف عليه.
أنساب الأشراف للبلاذري (٥ / ٧٤ ، ٨٧) ، تاريخ الطبري (٥ / ١٠٨ ـ ١١١ و ٢٢٤) ، كامل ابن الأثير (٣ / ٦٨) ، تذكرة السبط (ص ٤٩) ، جمهرة رسائل العرب (١ / ٣٨٨) (٢).
وكان بعد تلك المساومة المشؤومة يحرِّض الناس على قتل الإمام أمير المؤمنين ،
__________________
(١) أدلّ وتدلّل : انبسط واجترأ. (المؤلف)
(٢) أنساب الاشراف : ٢ / ٢٨٢ ـ ٢٨٦ رقم ٣٦٠ ٣٦٤ ، تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٣٥٦ ـ ٣٦١ حوادث سنة ٣٥ ه ، وص ٥٦٠ حوادث سنة ٣٦ ه ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٣٥٨ حوادث سنة ٣٦ ه ، تذكرة الخواص : ص ٨٦ ـ ٨٧.