منهم من الإقدام عليه ، وكان عمرو ما جلس مجلساً إلاّ ذكر فيه الحرث بن النضر الخثعميّ وعابه ، فقال الحرث :
ليس عمروٌ بتاركٍ ذكره الحربَ |
|
مدى الدهر أو يلاقي عليّا |
واضعَ السيفِ فوقَ مَنْكبِهِ الأي |
|
ـ منِ لا يحسِبُ الفوارسَ شيّا |
ليت عمراً يلقاهُ في حومةِ النَقْ |
|
ـ عِ وقد أمستِ السيوفُ عِصِيّا |
حيث يدعو البراز حاميةُ القومِ |
|
إذا كان بالبرازِ مليّا |
فوق شُهْبٍ مثلِ السَحُوق (١) من النَخ |
|
ـ لِ ينادي المبارزين إليّا |
ثمَّ يا عمرو تستريحُ من الفخر |
|
وتلقى به فتىً هاشميّا |
فالقَهُ إن أردت مَكرُمة الدهر |
|
أو الموتَ كلّ ذاك عليّا |
فشاعت هذه الأبيات حتى بلغت عمراً ، فأقسم بالله لَيَلْقَيَنَّ عليّا ولو مات ألف موتة ، فلمّا اختلطت الصفوف لقيه فحمل عليه برمحه ، فتقدّم عليٌّ وهو مخترطٌ سيفاً ، معتقلٌ رمحاً ، فلمّا رَهَقَه هَمَزَ فرسه ليعلو عليه ، فألقى عمرو نفسه عن فرسِهِ إلى الأرض شاغراً برجليه ، كاشفاً عورته ، فانصرف عنه عليٌّ لافتاً وجهه مستدبراً له ، فعدَّ الناس ذلك من مكارم عليٍّ وسؤدده ، وضرب بها المثل.
كتاب صفّين لابن مزاحم (٢) (ص ٢٢٤) ، شرح ابن أبي الحديد (٣) (٢ / ١١٠)
وقال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة (٤) (١ / ٩١) : ذكروا أنَّ عمراً قال لمعاوية : أتجبن عن عليٍّ وتتّهمني في نصيحتي إليك؟ والله لأُبارِزَنَّ عليّا ولو متُّ ألف موتة في أوّل لقائه ، فبارزه عمرو فطعنه عليٌّ فصرعه ، فاتّقاه بعورته ، فانصرف عنه عليٌ
__________________
(١) سحقت النخل : طالت. فهي سحوق ـ بالفتح ـ والجمع سُحُق ـ بالضم. (المؤلف)
(٢) وقعة صفّين : ص ٤٢٣.
(٣) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٣١٣ خطبة ٨٣.
(٤) الإمامة والسياسة : ١ / ٩٥.