وولّى بوجهه دونه ، وكان عليّ رضى الله عنه لم ينظر قطُّ إلى عورة أحد حياءً وتكرّماً وتنزّهاً عمّا لا يحلُّ ولا يجلُّ بمثله ـ كرّم الله وجهه.
وقال المسعودي في مروج الذهب (١) (٢ / ٢٥) : إنَّ معاوية أقسم على عمرو لمّا أشار عليه بالبراز إلاّ أن يبرز إلى عليٍّ ، فلم يجد عمرو من ذلك بُدّا فبرز ، فلمّا التقيا عرفه عليٌّ ، وشال السيف ليضربه به ، فكشف عمرو عن عورته وقال : مكرهٌ أخوك لا بطل. فحوّل عليٌّ وجهه وقال : «قبحت» ورجع عمرو إلى مصافّه.
اجتمع عند معاوية في بعض ليالي صفِّين عمرو بن العاص ، وعتبة بن أبي سفيان ، والوليد بن عقبة ، ومروان بن الحكم ، وعبد الله بن عامر ، وابن طلحة الطلحات الخزاعي ، فقال عتبة : إنَّ أمرنا وأمر عليِّ بن أبي طالب لعجيب ، ما فينا إلاّ موتورٌ مجتاحٌ ، أمّا أنا فقتل جدّي عتبة بن ربيعة ، وأخي حنظلة ، وشرك في دم عمّي شيبة يوم بدر ، وأمّا أنت يا وليد فقتل أباك صبراً ، وأمّا أنت يا ابن عامر فصرع أباك وسلب عمّك ، وأمّا أنت يا ابن طلحة فقتل أباك يوم الجمل ، وأيتم إخوتك ، وأمّا أنت يا مروان فكما قال الشاعر (٢).
وأفلتهنَّ علباءَ جريضاً |
|
ولو أدركته صفر الوطاب (٣) |
فقال معاوية : هذا الإقرار ، فأيَّ غُيُر غيَّرت (٤)؟ قال مروان : وأيَّ غُيُر تريد؟ قال : أريد أن تشجُروه بالرماح. قال : والله يا معاوية ما أراك إلا هاذياً أو هازئاً ، وما
__________________
(١) مروج الذهب : ٢ / ٤٠٥.
(٢) البيت لامرئ القيس. (المؤلف)
(٣) أفلته : خلّصه وأطلقه. أفلت : تخلّص. علباء من علب اللحم : تغيّرت رائحته بعد اشتداده. الجريض : المشرف على الهلاك. الصفر ـ بالحركات الثلاث : الخالي. الوطب : سقاء اللبن ، والجمع وطاب. [قوله : صفر الوطاب : مثل يضرب لمن مات أو قتل. مجمع الأمثال : ٢ / ٢٢٢ رقم ٢١٠٩]. (المؤلف)
(٤) في شرح نهج البلاغة ووقعة صفّين : فأين الغُيُر؟