جلداً ، فدفعه إلى أربعة من غلمانه ، ثمَّ جعل يدخل دور بني هاشم ، ويقول : يا بني هاشم ، هذا الكميت قال فيكم الشعر حين صمت الناس عن فضلكم ، وعرّض دمه لبني أميّة ، فأثيبوه بما قدرتم. فيطرح الرجل في الثوب ما قدر عليه من دنانير ودراهم. وأعلم النساء بذلك ، فكانت المرأة تبعث ما أمكنها ، حتى إنَّها لَتَخلع الحُليَّ عن جسدها ، فاجتمع من الدنانير والدراهم ما قيمته مائة ألف درهم ، فجاء بها إلى الكميت فقال : يا أبا المستهلّ أتيناك بجهد المقلِّ ، ونحن في دولة عدوِّنا ، وقد جمعنا هذا المال وفيه حليُّ النساء كما ترى ، فاستعن به على دهرك ، فقال : بأبي أنت وأمي قد أكثرتم وأطيبتم ، وما أردت بمدحي إيّاكم إلاّ الله ورسوله ، ولم أكُ لآخذَ لذلك ثمناً من الدنيا ، فاردده إلى أهله.
فجهد به عبد الله أنْ يقبله بكلِّ حيلة فأبى ، فقال : إن أبيت أن تقبل فإنّي رأيت أن تقول شيئاً تُغضب به بين الناس ، لعلَّ فتنة تحدث فيخرج من بين أصابعها بعض ما تحبّ. فابتدأ الكميت وقال قصيدته التي يذكر فيها مناقب قومه من مضر بن نزار بن معد ، وربيعة بن نزار ، وأياد وأنمار ابني نزار ، ويكثر فيها من تفضيلهم ، ويطنب في وصفهم ، وأنَّهم أفضل من قحطان ، فغضب بها بين اليمانيّة والنزاريّة فيما ذكرناه ، وهي قصيدته التي أوّلها :
ألا حُيّيت عنّا يا مَدِينا |
|
وهل ناسٌ تقول مسلّمينا |
قال ابن شهرآشوب في المناقب (١) (٥ / ١٢): بلغنا أنَّ الكميت أنشد الباقر عليهالسلام :
من لقلبٍ مُتيَّمٍ مُستهام |
|
غير ما صبوةٍ ولا أحلام |
فتوجّه الباقر عليهالسلام إلى الكعبة فقال : «اللهمَّ ارحم الكميت واغفر له ـ ثلاث مرّات ـ ثمّ قال : يا كميت هذه مائة ألف قد جمعتها لك من أهل بيتي».
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ١٢٣ ـ ٢١٤.