فقال الكميت : لا والله لا يعلم أحدٌ أنّي آخذ منها حتى يكون الله الذي يكافئني ، ولكن تكرمني بقميص من قُمُصِك ، فأعطاه.
وذكره العبّاسي في المعاهد (١) (٢ / ٢٧) وفيه : فأمر له أبو جعفر بمالٍ وثيابٍ ، فقال الكميت : والله ما أحببتكم للدنيا ، ولو أردت الدنيا لأتيت من هي في يديه ، ولكنَّني أحببتكم للآخرة ، فأمّا الثياب التي أصابت أجسامكم فأنا أقبلها لبركاتها ، وأمّا المال فلا أقبله ، فردّه وقبل الثياب.
قال البغدادي في خزانة الأدب (٢) (١ / ٦٩): حكى صاعد مولى الكميت قال : دخلت مع الكميت على عليِّ بن الحسين رضى الله عنه فقال : إنّي قد مدحتك بما أرجو أن يكون لي وسيلةً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ أنشده قصيدته التي أوّلها :
مَن لقلبٍ مُتيَّمٍ مُستهامِ |
|
غير ما صَبوةٍ ولا أحلامِ |
فلمّا أتى على آخرها ، قال له : «ثوابك نعجز عنه ، ولكن ما عجزنا عنه فإنَّ الله لا يعجز عن مكافأتك ، اللهمّ اغفر للكميت». ثمَّ قسّط له على نفسه وعلى أهله أربعمائة ألف درهم ، وقال له : «خُذ يا أبا المستهلّ» فقال له : لو وصلتني بدانق لكان شرفاً لي ، ولكن إن أحببتَ أن تحسن إليَّ فادفع إليَّ بعض ثيابك التي تلي جسدك أتبرّك بها. فقام فنزع ثيابه ودفعها إليه كلّها ، ثمَّ قال : «اللهمّ إنَّ الكميت جادَ في آل رسولك وذريّة نبيِّك بنفسه حين ضنَّ الناس ، وأظهر ما كتمه غيره من الحقّ ، فَأَحيِه سعيداً ، وأَمِتْه شهيداً ، وأره الجزاء عاجلاً ، وأجزل له جزيل المثوبة آجلاً ، فإنّا قد عجزنا عن مكافأته». قال الكميت : ما زلت أعرف بركة دعائه.
قال محمد بن كناسة : لمّا أُنشد هشام بن عبد الملك قول الكميت :
__________________
(١) معاهد التنصيص : ٣ / ٩٦ رقم ١٤٨.
(٢) خزانة الأدب : ١ / ١٤٥.