وكانت تسوى بأربعة (١) آلاف دينار ، وردَّ على عبد الله الجعفري ما جمع له من بني هاشم ما كان يقدَّر بمائة ألف درهم.
فكل من هذه خُبرٌ يصدِّق الخبر ؛ بأنَّ مدح الكميت عترة نبيِّه الطاهر وولاءه لهم ، وتهالكه بكلّه في حبِّهم ، وبذله النفس والنفيس دونهم ، ونيله من مناوئيهم ، ونصبه العداء لمخالفيهم ، لم يكن إلاّ لله ولرسوله فحسب ، وما كان له غرضٌ من حطام الدنيا وزخرفها ، ولا مرمىً من الثواب العاجل دون الآجل ، وكلُّ واقف على شعره يراه كالباحث بظلفه عن حتفه ، ويجده مستقتلاً بلسانه ، قد عرّض لبني أميّة دمه ، مستقبلاً صوارمهم ، كما نصَّ عليه الإمام زين العابدين عليهالسلام ، وقال : «اللهمّ إنَّ الكميت جاد في آل رسولك وذريّة نبيِّك نفسه حين ضنَّ الناس ، وأظهر ما كتمه غيره».
وقال عبد الله الجعفري لبني هاشم : هذا الكميت قال فيكم الشعر حين صمت الناس عن فضلكم ، وعرّض دمه لبني أميّة.
وخالد القسري لمّا أراد قتله رأى في شعره غنىً وكفاية عن أيِّ حيلة وسعاية عليه ، فاشترى جاريةً وعلَّمها الهاشميّات وبعثها إلى هشام بن عبد الملك ، وهو لمّا سمعها منها ، قال : استقتل المرائي. وكتب إلى خالد بقتله وقطع لسانه ويده.
فكان الكميت منذ غضاضة من شبيبته التي نظم فيها الهاشميّات خائفاً يترقّب طيلة عمره ، مختفياً في زوايا الخمول ، إلى أن أقام بقريضه الحجّة ، وأوضح به المحجّة ، وأظهر به الحقَّ ، وأتمَّ به البرهنة ، وبلغ ضالّته المنشودة من بثِّ الدعاية إلى العترة الطاهرة ، فلمّا دوّخ صيت شعره الأقطار ، وقرّطت به الآذان ، ودارت على الألسن ، استجاز الإمام أبا جعفر الباقر عليهالسلام أن يمدح بني أميّة صوناً لدمه فأجاز له. رواه أبو الفرج في الأغاني (٢) (١٥ / ١٢٦) بإسناده عن ورد بن زيد أخي الكميت قال : أرسلني
__________________
(١) الظاهر أنّه قدسسره ضمّن «تسوى» معنى «تقدّر» فعدّاه بالباء.
(٢) الأغاني : ١٧ / ٣٣ ، ٣٥.