قال : إن كان الشعر بجودة اللفظ ، وحسن المعاني ، واطّراد المراد ، واستواء الكلام ، فهي لأبي تمام ، وهو أشعر الناس ، وإن كان بغيرها فلا أدري. وكان في لسانه حُبْسَة ، وفي ذلك يقول ابن المعذّل أو أبو العُمَيثل :
يا نبيَّ الله في الشعر ويا عيسى بنَ مريم |
|
أنتَ من أشعرِ خَلْقِ اللهِ ما لم تتكلّمْ |
مدح الخلفاء والأمراء فأحسن ، وحدّث عن صهيب بن أبي الصهباء الشاعر ، والعطّاف بن هارون ، وكرامة بن أبان العدوي ، وأبي عبد الرحمن الأموي ، وسلامة ابن جابر النهدي ، ومحمد بن خالد الشيباني.
وروى عنه خالد بن شريد الشاعر ، والوليد بن عبادة البُحتري ، ومحمد بن إبراهيم بن عتّاب ، والعبدويّ البغدادي. تاريخ ابن عساكر (١) (٤ / ١٨).
روي أنَّه لمّا مدح الوزير محمد بن عبد الملك الزيّات بقصيدته التي يقول فيها :
دِيمةٌ سَمْحَةُ القِيادِ سَكُوبٌ |
|
مستغيثٌ بها الثرى المكروبُ |
لو سعَتْ بُقعةٌ لإعظام أخرى |
|
لَسَعى نحوها المكان الجَديبُ |
قال له ابن الزيّات : يا أبا تمام ، إنَّك لتُحَلّي شعرك من جواهر لفظك ودُرَر معانيك ما زيد حسناً على بهيّ الجواهر في أجياد الكواعب ، وما يُدَّخَرُ لك شيء من جزيل المكافأة إلاّ ويَقْصُر عن شعرك في الموازرة ، وكان بحضرته الكندي الفيلسوف فقال له : إنَّ هذا الفتى يموت شابّا.
فقيل له : من أين حكمتَ عليه بذلك؟
فقال : رأيت فيه من الحِدَّة والذكاء والفطنة مع لطافة الحسّ وجودة الخاطر ما علمت به أنَّ النفس الروحانيَّة تأكل جسمه كما يأكل السيف المهنّد غمده.
__________________
(١) تاريخ مدينة دمشق : ٤ / ١٥٢ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٦ / ١٧٨.