فقال : يا غلام أحضر أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا عليهالسلام. فلم يكن إلاّ ساعة حتى حضر ، فقال له : يا أبا الحسن ، سألت دعبلاً عن مدارس آيات خَلَتْ من تلاوة فذكَرَ أنّه لا يعرفها. فقال لي أبو الحسن : «يا دعبل أنشِدْ أمير المؤمنين». فأخذت فيها فأنشدتها ، فاستَحْسَنها فأمر لي بخمسين ألف درهم. وأمر لي أبو الحسن الرضا بقريب من ذلك.
فقلت : يا سيِّدي إن رأيتَ أن تَهَبَني شيئاً من ثيابك ليكون كفني. فقال : «نعم». ثمّ دفع لي قميصاً قد ابتذله ومِنْشفة لطيفة ، وقال لي : «احفظ هذا تُحْرَسْ به» ثمّ دفع لي ذو الرياستين أبو العبّاس الفضل بن سهل وزير المأمون صلةً ، وحَمَلَني على برذون أصفر خراسانيّ ، وكنت أُسايره في يوم مطير وعليه ممطر خزّ وبُرْنُس ، فأمر لي به ودعا بغيره جديد ولبسه ، وقال : إنّما آثرتك باللبيس لأنّه خير الممطرين ، قال : فأُعطِيتُ به ثمانين ديناراً فلم تَطِبْ نفسي ببيعه ، ثمّ كَرَرْتُ راجعاً إلى العراق ، فلمّا صِرتُ في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا ، فكان ذلك اليوم يوماً مطيراً ، فبقيتُ في قميصٍ خَلقٍ وضُرٍّ شديد ، متأسِّفاً ، من جميع ما كان معي ، على القميص والمنشفة ومفكّراً في قول سيّدي الرضا ، إذ مرَّ بي واحدٌ من الأكراد الحراميّة تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرياستين وعليه الممطر ، ووقف بالقرب منّي ليجتمع إليه أصحابه وهو ينشد ـ مدارس آيات خلت من تلاوة ـ ويبكي ، فلمّا رأيت ذلك عَجِبْتُ من لصّ من الأكراد يتشيّعُ ، ثمّ طمعتُ في القميص والمنشفة فقلت : يا سيِّدي ، لمن هذه القصيدة؟ فقال : وما أنت وذاك؟ ويلك!. فقلت : لي فيه سببٌ أُخبرك به ، فقال : هي أشهر بصاحبها من أن تُجهلَ. فقلت : من؟ قال : دعبل بن عليّ الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيراً. قلت له : يا سيِّدي فأنا والله دعبل وهذه قصيدتي ، الحديث.
وقال (ص ٨٦) بعد ذكر الحديث ما لفظه : فانظر إلى هذه المنقبة وما أعلاها وما أشرفها ، وقد يقف على هذه القصّة بعض الناس ممّن يطالع هذا الكتاب ويقرؤه