الرفد ولم ير زمان أصعب من زمانه.
ودخل هشام بستاناً له ومعه ندماوَه فطافوا به وفيه من كل الثمار ، فجعلوا يأكلون ويقولون : بارك اللّه لأمير الموَمنين فقال : وكيف يبارك لي فيه وأنتم تأكلونه ثم قال : أُدع قيّمه فدُعي به فقال له : أقلع شجره واغرس فيه زيتوناً حتى لا يأكل أحد منه شيئاً ، وكان أخوه مسلمة مازحه قبل أن يلي الأمر فقال له : ياهشام أتوَمل الخلافة وأنت جبان بخيل قال : أي واللّه العليم الحليم.
ومن نوادره ما روي أنّه تمادى في الصيد فوقع على غلام فأمر ببعض الأمر!!فأبى الغلام وأغلظ له في القول وقال له : لا قرب اللّه دارك ولا حيّا مزارك ـ في قصة طويلة فيها ـ أنّه أمر بقتله وقرب له نطع الدم فأنشأ الغلام يقول :
نبئت أنّ الباز علّق مرّة |
|
عصفور برّ ساقه المقدور |
فتكلّم العصفور في أظفاره |
|
والباز منهمك عليه يطير |
ما فيّ ما يغني لبطنك شبعة |
|
ولئن أكلت فإنّني لحقير |
فتعجّب الباز المدل بنفسه |
|
عجباً وأفلت ذلك العصفور |
فضحك هشام وقال : يا غلام أحش فاه دراً وجواهر (١).
أقول : إذا كان هذا أكره الخلفاء للدماء وأشدهم عليه فمن هو أحرصهم عليها وعلى إراقتها ، وكأنّي بشاعر المعرة يخاطب ابن سعد صاحب الطبقات ومن لفّ لفّه ويقول :
إذا وصف الطائي بالبخل مادر |
|
وعيّر قساً بالفهاهة باقل |
وقال السهى للشمس أنت خفية |
|
وقال الدجى للصبح لونك حائل |
وطاولت الأرض ، السماء ترفعاً |
|
وفاخرت الشهب الحصى والجنادل |
فياموتُ زُر إنّ الحياة ذميمة |
|
ويانفس جدي ، إنّ دهرك هازلا |
__________________
١ ـ عماد الدين الحنبلي : شذرات الذهب : ١٦٢ ـ ١٦٤.