عبد الرحمن بن عوف الزهري ، نادى المختار : يا أهل الاِسلام! إليّ إليّ أنا ابن أبي عبيد بن مسعود ، وأنا ابن الكرار لا الفرار ، أنا ابن المقدمين غير المحجمين. إليّ يا أهل الحفاظ وحماة الأوتار ، فحمى الناس يومئذ وأبلى وقاتل قتالاً حسناً ثم أقام مع ابن الزبير في ذلك الحصار حتى كان يوم أُحرق البيت ، فإنّه أُحرق يوم السبت لثلاث مضين من شهر ربيع الأوّل سنة ٦٤ هـ فقاتل المختار يومئذ في عصابة معه نحواً من ثلاثمائة أحسن قتال قاتله أحد من الناس إن كان ليقاتل حتى يتبلّد ثم يجلس ويحيط به أصحابه ، فإذا استراح نهض فقاتل ، فما كان يتوجه نحو طائفة من أهل الشام إلاّ ضاربهم حتى يكشفهم (١).
وقد ذكر الطبري شيئاً كثيراً من هذه البطولات أيّام إقامته في مكة مع ابن الزبير قبل مهلك يزيد وبعده.
ولما بلغ نعي يزيد إليه غادر مكة إلى الكوفة للطلب بدم شهيد الطف وإنّما اختار الكوفة لأنّ هناك مجتمع أنصاره وأعدائه ، ولما نزل الكوفة اجتمع حوله كثير من الشيعة ، يقول المسعودي : نزل ناحية من الكوفة وجعل يظهر البكاء على الطالبيين وشيعتهم ، ويظهر الحنين والجزع لهم ويحثُّ على أخذ الثار فمالت إليه الشيعة وانضافوا إلى جملته (٢) ولما بلغ إلى ابن الزبير التفاف الشيعة حول المختار وأنّه بصدد الخروج أحسّ خطراً وأنّه سوف يخرج العراق من يده ، وقد كان العراق تحت قدرته ، فرأى أنّ التفاف الناس حول المختار يرجع إلى عدم كفاءة عامله ، فحاول إبداله بعامل آخر لم يكن في اللباقة أحسن منه فاستعمل عبد اللّه بن مطيع بالكوفة ، وكان قدومه في رمضان لخمس بقين منه ، ولما قدم صعد المنبر وخطبهم
__________________
١ ـ الطبري : التاريخ : ٤ / ٤٤٥ ـ ٤٤٦.
٢ ـ المسعودي : مروج الذهب : ٣ / ٧٣ ـ ٧٤.