وكان يزيد يحس بذلك عن كثب فكتب إلى عامله بالمدينة الوليد بن عقبة أن يأخذ الحسين بالبيعة له ، فلما اجتمع مع عامله فعرض عليه البيعة فرفض بعد جدال عنيف بحضور مروان بن الحكم ، وأصبح الحسين من غده يستمع الأخبار فإذا هو بمروان بن الحكم قد عارضه في طريقه ونصحه بالبيعة ليزيد فعندئذ ارتجّ الحسين وثارت ثورته وقال : « إنّا للّه وإنّا إليه راجعون ، وعلى الاِسلام السلام إذا بليت الأمة براع مثل يزيد » ، ثم قال : « يا مروان أترشدني لبيعة يزيد ، يزيد رجل فاسق لقد قلت شططاً من القول وزللاً ولا ألومك ، فإنّك اللعين الذي لعنك رسول اللّه وأنت في صلب أبيك الحكم بن العاص ، ومن لعنه رسول اللّه ، فلا ينكر منه أن يدعو لبيعة يزيد ، إليك عني ياعدو اللّه فإنّا أهل بيت رسول اللّه ، الحقّ فينا ينطق على ألسنتنا وقد سمعت جدي رسول اللّه يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان الطلقاء وأبناء الطلقاء ، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه. ولقد رآه أهل المدينة على منبر رسول اللّه فلم يفعلوا به ما أُمروا فابتلاهم بابنه يزيد » (١).
هذه الكلمة المباركة من الحسين بن علي عليهماالسلام في أعتاب تفجير الثورة تعرب عن أنّ خلافه مع يزيد لم يكن خلافاً قبلياً ولا استمراراً له ، وإنّما كان يثور عليه لأجل أنّ الحاكم يتّسم بمبادىَ هدامة للدين ، ولو أُتيحت له الفرصة لقضى على الاِسلام والمسلمين ، فلأجل ذلك قام عن مجلس الوليد ولم يبايعه وترك مدينة جده والتجأ إلى مكة المكرمة ، وليست هذه الكلمة كلمة وحيدة معربة عن نواياه وحوافزه التي دفعته إلى الثورة فكم لها من نظير في حياته.
وإليك كلمته الثانية عندما نزل منطقة البيضة من العراق واعترضه الجيش الأموي بقيادة الحر بن يزيد التميمي اليربوعي ، فقال واقفاً بعد أن حمد اللّه وأثنى
__________________
١ ـ الخوارزمي : مقتل الحسين : ١ / ١٨٤ ـ ١٨٥.