وقال : أمّا بعد فإنّ أمير الموَمنين (ابن الزبير) بعثني على مصركم وثغوركم وأمرني بجباية فيئكم وأن لا أحمل فضل فيئكم عنكم إلاّ برضا منكم ، وأن أتّبع وصية عمر ابن الخطاب التي أوصى بها عند وفاته ، وسيرة عثمان بن عفان فاتقوا اللّه واستقيموا ولا تختلفوا وخذوا على أيدي سفهائكم فإن لم تفعلوا فلوموا أنفسكم ولا تلوموني ، فواللّه لأوقعنَّ بالسقيم العاصي ، ولأقيمنّ درع الأصعر المرتاب (١).
ولو كان كلامه مقياساً لشعوره ودهائه وسياسته ، فهذه الخطابة التي ألقاها ، دليل على عدم تعرفه على بيئته ، والنفسيات الحاكمة على سكانها فإنّ ما ذكره إنّما كان يتجاوب مع أفكار قليل من أهل الكوفة الذين كانوا يتجاوبون مع بني أُمية ويحبّون خطهم ، وأمّا الأكثرية الساحقة ، فكانوا على خلاف تلك الفكرة.
ولأجل ذلك قام السائب بن مالك الأشعري ولم يمهله لاِتمام كلامه وقال : « أمّا حمل فيئنا برضانا فإنّا نشهد أنّا لا نرضى أن يحمل عنّا فضله ، وأن لا يقسم إلاّ فينا ، وأن لا يُسار فينا إلاّ بسيرة علي بن أبي طالب التي سار بها في بلادنا هذه حتى هلك ، ولا حاجة لنا في سيرة عثمان في فيئنا ولا في أنفسنا ، ولا في سيرة عمر بن الخطاب فينا وإن كانت أهون السيرتين علينا وكان يفعل بالناس خيرا ».
فقال يزيد بن أنس : صدق السائب وبرّ ، وعندئذ تنبه عبد اللّه بن مطيع أنّ كلامه لم يكن بليغاً مطابقاً لمقتضى الحال فعاد بتلطيف ما سبق وقال : نسير فيكم بكل سيرة أحببتموها ثم نزل (٢).
لمس المختار ما تتبناه الأكثرية الساحقة من أهل الكوفة والعراق ولم يكن آنذاك في وسعه تحقيق العدل الاجتماعي الذي سار به علي عليهالسلام في أيامه ، ولكن كانت فيه مقدرة عظيمة على أخذ الثأر حتى يتمكن من الأخذ بمجامع القلوب.
____________
١ ـ الجزري : الكامل في التاريخ : ٤ / ٢١١ ـ ٢١٣.
٢ ـ الجزري : ٤ / ٢١٣.