ولمّا سمع المأمون بهذا الحديث كتب إلى الآفاق بلعنه على المنابر فأعظم الناس ذلك وأكبروه واضطربت العامة فأُشير عليه بالترك فأعرض عما كان عليه (١).
فلما قام الحسين في وجه الحكومة بأولاده وأصحابه القليلين ، فقد نفث في جسم الأمّة روح الكفاح والنضال وحطمت كل حاجز نفسي واجتماعي كان يوقفهم عن القيام ، وأثبت أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الظروف الحرجة ليس رهن العِدّة والعُدّة بل إذا حاق الخطر بالأمّة من ملوكها وأمرائها وزعمائها وأصبحوا يسوقون الناس بأفعالهم وأعمالهم ، والمجتمع إلى العيش الجاهلي ، وجب على الموَمن الاستنكار بقلبه ولسانه ويده فكان في قيامه تحطيم السدود المزعومة الممانعة عن القيام بالفريضة ، ولأجل ذلك استتبعت ثورته ، ثورات عديدة تترى من غير فرق بين من ثار وهو على خط الاِمام وبين من ثار في وجه الطغمة الأموية ولم يكن على خطه وفكره ولكن الكل كانوا مستلهمين من تلك الثورة العارمة ، ولولا حركة الحسين عليهالسلام لما كان لهذه الحركات أيّ أثر في المجتمع الاِسلامي ، وإن كنت في ريب من ذلك فعليك بدراسة الثورات المتتابعة بعد قيامه ونهضته.
قضى الاِمام نحبه في اليوم العاشر من محرم الحرام عام ٦١ هـ والرضاء بقضاء اللّه وقدره بين شفتيه (٢) وهو ظمآن لم يشرب الماء منذ ثلاثة أيام ، والفرات يموج بمياهه وحيتانه « سبيل على الرواد منهله العذب » دون الحسين وأولاده وأصحابه حتى يموتوا عطشى. ولم يقتصر عدوّه الغاشم بقتله حتى همّ
__________________
١ ـ مروج الذهب : ٢ / ٣٤٣. آخر أخبار المأمون.
٢ ـ قال عليهالسلام وهو طريح مصرعه : « رضاءً بقضائك ، وتسليماً لأمرك ، لا معبود سواك ، ياغياث المستغيثين ».