أصحاب المسيّب ما أرادوا ثم انصرفوا إلى سليمان موفورين.
وبلغ الخبر ابن زياد فسرّح الحصين بن نمير مسرعاً حتى نزل في اثني عشر ألفاً ، فخرج أصحاب سليمان إليه لأربع بقين من جمادي الأولى ، وعلى ميمنتهم عبد اللّه بن سعد ، وعلى ميسرتهم المسيّب بن نجبة وسليمان في القلب ، وجعل الحصين على ميمنته جملة بن عبد اللّه (١) وعلى ميسرته ربيعة بن المخارق الغنوي فلمّا دنا بعضهم من بعض دعاهم أهل الشام إلى الجماعة على عبد الملك بن مروان ، ودعاهم أصحاب سليمان إلى خلع عبد الملك وتسليم عبيد اللّه بن زياد إليهم وأنّهم يخرجون من بالعراق من أصحاب ابن الزبير ثم يرد الأمر إلى أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فأبى كل منهم ، فحملت ميمنة سليمان على ميسرة الحصين ، والميسرة أيضاً على الميمنة ، وحمل سليمان في القلب على جماعتهم ، فانهزم أهل الشام إلى عسكرهم ، وما زال الظفر لأصحاب سليمان إلى أن حجز بينهم الليل.
فلمّا كان الغد صبّح الحصين جيش مع ابن ذي الكلاع ثمانية الآف ، أمدهم بهم عبيد اللّه بن زياد ، وخرج أصحاب سليمان فقاتلوهم قتالاً لم يكن أشد منه جميع النهار ، لم يحجز بينهم إلاّ الصلاة ، فلمّا أمسوا تحاجزوا وقد كثرت الجراح في الفريقين ، وطاف القصّاص على أصحاب سليمان يحرضونهم.
فلمّا أصبح أهل الشام أتاهم أدهم بن محرز الباهلي في نحو من عشرة آلاف من ابن زياد ، فاقتتلوا يوم الجمعة قتالاً شديداً إلى ارتفاع الضحى ، ثم إنّ أهل الشام كثروهم وتعطفوا عليهم من كل جانب ، ورأى سليمان ما لقي أصحابه ، فنزل ونادى : عباد اللّه من أراد البكور إلى ربّه والتوبة من ذنبه فإلي. ثم كسر جفنة سيفه ونزل معه ناس كثير وكسروا جفون سيوفهم ومشوا معه ، فقاتلوهم ، فقتل من أهل الشام مقتلة عظيمة وجرحوا فيهم فأكثروا الجراح. فلمّـا رأى الحُصين صبرهم
__________________
١ ـ كذا في النسخة.