ثم ساروا حتى انتهوا إلى « قرقيسيا » على تعبئة وبها زفر بن الحارث الكلابي وقد فتح باب حصنه بعد ما عرف أن فيهم المسيّب بن نجبة فأخرج لهم سوقاً وأمر للمسيب بألف درهم وفرس ، فردّ المال وأخذ الفرس وقال : لعلّي أحتاج إليه إن عرج فرسي ، وبعث « زفر » إليهم ، بخبز كثير وعلف ودقيق حتى استغنى الناس عن السوق.
ثم ارتحلوا من الغد ، وخرج « زفر » يشيّعهم وقال لسليمان أنّه قد سار خمسة أُمراء من الرقة هم : الحصين بن نمير ، وشرحبيل بن ذي الكلاع ، وأدهم بن محرز ، وجبلة بن عبد اللّه الخثعمي ، وعبيد اللّه بن زياد ، في عدد كثير مثل الشوك والشجر ، ثم اقترح عليهم أن ينزلوا بديرهم حتى يكونوا يد واحدة على العدو الشاميين ، فإذا جاءنا هذا العدو ، قاتلناهم جميعاً. فلم يقبل سليمان وقال : قد طلب أهل مصر ذلك منّا فأبينا عليهم. ثم ساروا مجدّين فانتهوا إلى عين الوردة فنزلوا غربيّها وأقاموا خمساً فاستراحوا وأراحوا.
وأقبل أهل الشام في عساكرهم حتى كانوا من عين الوردة على مسيرة يوم وليلة ، فقام سليمان في أصحابه وذكر الآخرة ورغب فيها ثم قال : أمّا بعد فقد أتاكم عدوكم الذي دأبتم إليه في السير آناء الليل والنهار ، فإذا لقيتموهم فأصدقوهم القتال واصبروا إنّ اللّه مع الصابرين ثم قال : إن أنا قتلت فأمير الناس مسيب بن نجبة ، فإن قتل ، فالأمير عبد اللّه بن سعد بن نفيل ، فإن قتل ، فالأمير عبد اللّه بن وال ، فإن قتل ، فالأمير رفاعة بن شداد ، رحم اللّه امرئاً صدق ما عاهد اللّه عليه.
كان أدنى عسكر من عساكر الشام هو عسكر شرحبيل بن ذي الكلاع ، وكان على رأس ميل فسار المسيّب ومن معه مسرعين فأشرفوا عليهم وهم غارّون ، فحملوا في جانب عسكرهم فانهزم العسكر وأصحاب المسيب منهم رجالاً فأكثروا فيهم الجراح وأخذوا الدواب وخلّـى الشاميون عسكرهم وانهزموا ، فغنم منه