قتالهم أدهم بن محرز الباهلي فحمل عليهم في خيله ورجله ، فوصل ابن محرز إلى ابن وال وهو يتلو : « ولا تَحْسَبَنَّ الّذِينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللّهِ أمْواتاً » الآية ، فغاظ ذلك أدهم بن محرز فحمل عليه ، فضرب يده فأبانها ثم تنحى عنه وقال : إنّي أظنك وددت أنّك عند أهلك. قال ابن وال : بئس ما ظننت ، واللّه ما أحبّ أنّ يدك مكانها إلاّ أن يكون لي من الأجر مثل ما في يدي ليعظم وزرك ويعظم أجري. فغاظه ذلك أيضاً ، فحمل عليه وطعنه فقتله وهو مقبل ما يزول. وكان ابن وال من الفقهاء العبّاد.
فلمّا قتل أتوا رفاعة بن شداد البجليّ وقالوا : لتأخذ الراية. فقال : إرجعوا بنا لعلّ اللّه يجمعنا ليوم شرهم. فقال له عبد اللّه بن عوف بن الأحمر : هلكنا واللّه ، لئن انصرفت ليركبنّ أكتافنا فلا نبلغ فرسخاً حتى نهلك عن آخرنا ، وإن نجا منّا ناج أخذته العرب يتقرّبون به إليهم فقتل صبراً ، هذه الشمس قد قاربت الغروب فنقاتلهم على خيلنا ، فإذا غسق الليل ركبنا خيولنا أوّل الليل وسرنا حتى نصبح ونسير على مهل ، ويحمل الرجل صاحبه وجريحه ونعرف الوجه الذي نأخذه. فقال رفاعة : نعم ما رأيت ، وأخذ الراية وقاتلهم قتالاً شديداً ، ورام أهل الشام إهلاكهم قبل الليل فلم يصلوا إلى ذلك لشدّة قتالهم ، وتقدّم عبد اللّه بن عزير الكناني فقاتل أهل الشام ومعه ولده محمد وهو صغير ، فنادى بني كنانة من أهل الشام وسلّم ولده إليهم ليوصلوه إلى الكوفة ، فعرضوا عليه الأمان ، فأبى ثم قاتلهم حتى قتل.
وتقدّم كرب بن يزيد الحميري عند المساء في مائة من أصحابه فقاتلهم أشد قتال ، فعرض عليه وعلى أصحابه ابن ذي الكلاع الحميري الأمان ، قال : قد كنّا آمنين في الدنيا وإنّما خرجنا نطلب أمان الآخرة ، فقاتلوهم حتى قتلوا وتقدّم صخر ابن هلال المزني في ثلاثين من مزينة فقاتلوا حتى قتلوا.
فلما أمسوا رجع أهل الشام إلى معسكرهم ، ونظر رفاعة إلى كل رجل قد