عُقِربه فرسُه وجُرِح فدفعه إلى قومه ثم سار بالناس ليلته ، وأصبح الحصين ليلتقيهم فلم يرهم ، فلم يبعث في آثارهم ، وساروا حتى أتوا قرقيسيا فعرض عليهم زفر الاِقامة ، فأقاموا ثلاثاً ، فأضافهم ثم زودهم وساروا إلى الكوفة.
ثم أقبل سعد بن حذيفة بن اليمان في أهل المدائن فبلغ « هيت » فأتاه الخبر ، فرجع فلقي المثنى بن مخرَّبة العبدي في أهل البصرة بصندوداء ، فأخبره ، فأقاموا حتى أتاهم رفاعة فاستقبلوه ، وبكى بعضهم إلى بعض وأقاموا يوماً وليلة ثم تفرقوا ، فسار كل طائفة إلى بلدهم.
ولما بلغ رفاعة الكوفة كان المختار محبوساً ، فأرسل إليه : أمّا بعدّ فمرحباً بالعصبة الذين عظّم اللّه لهم الأجر ، حين انصرفوا ورضي فعلهم حين قُتِلوا ، أما وربّ البيت ما خطا خاط منكم خطوة ، ولا ربا ربوة ، إلاّ كان ثواب اللّه له أعظم من الدنيا. إنّ سليمان قد قضى ما عليه ، وتوفّاه اللّه ، وجعل وجهه مع أرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون ، إنّي أنا الأمير المأمور ، والأمين المأمون ، وقاتل الجبارين ، والمنتقم من أعداء الدين ، المقيّد من الأوتار ، فأعدوا واستعدوا وأبشروا ، أدعوكم إلى كتاب اللّه ، وسنّة نبيه ، والطلب بدم أهل البيت ، والدفع عن الضعفاء وجهاد المحلين ، والسلام » (١).
هذه هي ثورة التوابين ، المشرقة ، وهممهم العالية ، وتفاديهم في سبيل الهدى ، وقد بُذل لهم الأمان فلم يقبلوا فقد : ( صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه ) (٢) فقد قاموا بواجبهم فما رجع منهم إلاّ قليل بعد اليأس من الغلبة على العدو فرجعوا إلى أوطانهم ولحقوا بعشائرهم وبذلك ابتغوا أنّ الوظيفة بعد باقية ، على عاتقهم.
وهناك كلمة قيمة للمحقّق شمس الدين نأت بها : « لقد اعتبر التوابون أنّ
__________________
١ ـ الجزري : الكامل : ٤ / ١٧٥ ـ ١٨٦.
٢ ـ الأحزاب : ٢٣.