ومن كان هذا كلامه ويترنّم بما ماثله أيضاً ، لا يخرج لطلب الملك والاِمارة وكسب الجاه والمقام وهو مشرف على القتل ، وطلب الجاه من شوَون من يريد البقاء والالتذاذ بلذائذ الدنيا لا من يريد ركوب الرماح والأسنّة.
ومن أراد اتهام زيد بطلب الاِمارة والخلافة فلم يعرف نفسيته ولا بيئته وظروفه المحدقة به فإنّها كانت تُحتِّم عليه الموت وهو كان يرى الشهادة أمامه.
والذي وطّن نفسه على القتل هو الأمور التالية :
١ ـ كان كلام جده وآبائه رنين سمعه وأنّه يخرج من ولده رجل يقال له زيد ويقتل بالكوفة ... وقد سمع عن والده عليّ بن الحسين عليهماالسلام وهو صغير : « أُعيذك باللّه أن تكون زيداً المصلوب بالكناسة » كما سمع نظيره عن ابن أخيه الاِمام الصادق عليهالسلام الذي أطبق المسلمون على صدقه ، ومع هذه الأخبار المتضافرة كيف لا يوطّن نفسه على الشهادة ، ويخرج لطلب الملك والجاه والمقام دون إباء الضيم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعريف الأمّة بواجبهم تجاه الطغمة الغاشمة.
٢ ـ إنّ الذين بايعوه ودعوه إلى النضال والكفاح كانوا ـ وللأسف ـ معروفين بالنفاق ، وعدم الثبات والصمود في مسيرة الدعوة وطريق البيعة ، فكانوا يبرمون أمراً وينقضونه من فوره ، وأهل الكوفة وإن لم يكن كلّهم كذلك وكان فيهم أبطال صامدون ولكن الأكثرية الساحقة كانوا بهذه الخصيصة وقد عرّفهم الاِمام عليّ عليهالسلام في غير واحد من خطبه نقتطف منها ما يلي :
١ ـ يا أشباه الرجال ولا رجال حلوم الأطفال ، وعقول ربّات الحجال ، لوددت أنّي لم أركم ، ولم أعرفكم معرفة ـ واللّه ـ ... قاتلكم اللّه لقد ملأتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظاً (١).
__________________
١ ـ نهج البلاغة : الخطبة : ٢٧.