وسيّرهم إلى يوسف ليجمع بينهم وبين خالد فقدموا عليه ، فقال يوسف لزيد : إنّ خالداً زعم أنّه أودعك مالاً. قال : كيف يودعني وهو يشتم آبائي على منبره؟! فأرسل إلى خالد فأحضره في عباءة ، فقال : هذا زيد قد أنكر أنّك قد أودعته شيئاً. فنظر خالد إليه وإلى داود بن علي وقال ليوسف : أتريد أن تجمع مع إثمك فيّ إثماً في هذا؟ كيف أودعه وأنا أشتمه وأشتم آباءه على المنبر! فقالوا لخالد : ما دعاك إلى ما صنعت؟ قال : شدّدَ عليّ العذاب فادّعيت ذلك وأمَّلت أن يأتي اللّه بفرج قبل قدومكم. فرجعوا وأقام زيد وداود بالكوفة.
وقيل : إنّ يزيد بن خالد القسري هو الذي ادّعى المال وديعة عند زيد.
فلمّا أمرهم هشام بالمسير إلى العراق إلى يوسف استقالوه خوفاً من شر يوسف وظلمه ، فقال : أنا أكتب إليه بالكفّ عنكم ، وألزمه بذلك ، فساروا على كره.
وجمع يوسف بينهم وبين يزيد ، فقال يزيد : [ ما ] لي عندهم قليل ولا كثير. قال يوسف : أبيَ تهزأ أم بأمير الموَمنين؟ فعذبه يومئذ عذاباً كاد يهلكه ، ثم أمر بالفرّاشين فضُـربوا وترك زيداً. ثم استحلفهم وأطلقهم ، فلحقوا بالمدينة ، وأقام زيد بالكوفة ، وكان زيد قد قال لهشام لما أمره بالمسير إلى يوسف : ما آمن إن بعثتني إليه أن لا نجتمع أنا وأنت حيّين أبداً. قال : لابد من المسير إليه ، فساروا إليه (١).
لا شك أنّ هذا الحديث مهما كان صحيحاً ، لا يكون مبرراً للثورة ، لو لم يكن هناك عنصر قوي دفعه إليها. وأظن أنّ الوالي المتتبع لعثرات الوالي الأوّل اتّهمه بأنّه ابتاع من زيد أرضاً بالمدينة بعشرة آلاف دينار ثم ردّ الأرض عليه ولم يكن هناك أي بيع وشراء ، خصوصاً ، البائع يقطن المدينة والمشتري والى العراق ، والأرض المشتراة في المدينة ، ومن أين لزيد مثل هذه الأرض بهذه القيمة العالية؟
__________________
١ ـ ابن الأثير الجزري : ٥ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠.