يختلف عنك أحد نضرب عنك بأسيافنا وليس هيهنا من أهل الشام إلاّ عدّة يسيرة ، بعض قبائلنا يكفيكهم بإذن اللّه وحلفوا له بالأيمان المغلظة (١).
وهناك من يقول : إنّ زيداً لما قضى وطره في الشام ورأى عند هشام من التجبّر والأنانية غادر الشام إلى الكوفة فأقام بها مستخفياً فينتقل في المنازل ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه فبايعه وجوه أهل الكوفة وكانت بيعته : إنا ندعوكم إلى كتاب اللّه ، وسنّة نبيه وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، واعطاء المحرومين ، وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء ورد المظالم ونصر أهل البيت أتبايعون على ذلك؟ فإذا قالوا نعم وضع يده على أيديهم ويقول : عليك عهد اللّه وميثاقه وذمته وذمّة رسوله لتفين ببيعتي ولتقاتلنّ عدوي ولتنصحنَّ لي في السر والعلانيّة ، فإذا قال نعم ، مسح يده على يده ، ثم قال : اللهم اشهد ، فبايعه خمسة عشر ألفاً وقيل أربعون ألفاً فأمر أصحابه بالاستعداد ، فأقبل من يريد أن يفي له ، ويخرج معه ويستعد ويتهيّأ وشاع أمره في الناس (٢).
وبما أنّه من البعيد أن تكون لمثل زيد حليف القرآن والعبادة رحلات أو رحلتان إلى الشام فالظاهر هو الوجه الأوّل ، وأنّه بعدما سيّره هشام بن عبد الملك إلى الكوفة لأجل المحاكمة فأقام بها متهيّئاً للثورة ، وهذا هو الظاهر أيضاً من أبي الفرج الأصفهاني وبما أنّه زيدي له عناية خاصة بتحقيق مواقف زيد فاقتصر بالوجه الأوّل ، وقال : « فأقام زيد بعد خروجه من عند « يوسف » بالكوفة أياماً ، وجعل يوسف يستحثه بالخروج فيعتل عليه بالشغل ، وبأشياء يبتاعها فألحّ عليه حتى خرج فأتى القادسية ، ثم إنّ الشيعة لقوا زيداً فقالوا له : « أين تخرج عنّا رحمك اللّه ، ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بني أُمية بها دونك ، وليس قِبَلِنا من أهل الشام إلاّ عدّة يسيرة فأبى عليهم فما زالوا يناشدونه
__________________
١ ـ الجزري : الكامل : ٥ / ٢٣٤.
٢ ـ المصدر نفسه : ٥ / ٢٣٣.