في المسجد الأعظم محصورون ، فقال : لا واللّه ما هذا لمن بايعنا بعذر ، ولم يجد بداً من القتال بمن معه ، موطناً نفسه على الاستشهاد وقد ذكر الموَرخون كيفية قتاله وقتال أصحابه الموفين بعهدهم وبيعتهم ، وهم بين موجز في القول ومسهب في النقل ، ونحن نكتفي بنصوص ثلاثة :
١ ـ قال المسعودي : « مضى زيد إلى الكوفة وخرج عنها ومعه القرّاء والأشراف ، فحاربه يوسف بن عمر الثقفي فلما قامت الحرب ، انهزم أصحاب زيد ، وبقي في جماعة يسيرة ، فقاتلهم أشد قتال وهو يقول متمثلاً :
أذل الحياة وعزّ الممات |
|
وكلاً أراه طعاماً وبيلا |
فإن كان لابد من واحد |
|
فسيري إلى الموت سيراً جميلا |
وحال المساء بين الفريقين فراح زيد مثخناً بالجراح وقد أصابه سهم في جبهته فطلبوا من ينزع النصل ، فأتى بحجام من بعض القرى فاستكتموه أمره فاستخرج النصل فمات من ساعته ، فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش ، وأُجري الماء على ذلك ، وحضر الحجام مواراته ، فعرف الموضع فلما أصبح مضى إلى يوسف متنصحاً ، فدلّه على موضع قبره ، فاستخرجه يوسف ، وبعث برأسه إلى هشام ، فكتب إليه هشام : أن أصلبه عرياناً ، فصلبه يوسف كذلك ، ففي ذلك يقول بعض شعراء بني أُمية يخاطب آل أبي طالب وشيعتهم من أبيات :
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة |
|
ولم أر مهدياً على الجذع يصلب |
وبنى تحت خشبته عموداً ، ثم كتب هشام إلى يوسف يأمره بإحراقه وذروه في الرياح (١).
__________________
١ ـ المسعودي : مروج الذهب : ٣ / ٢٠٧.