فصيرهم إلى الكوفة ، وحبسوا في سرداب تحت الأرض لا يفرّقون بين ضياء النهار وسواد الليل ، وخلّـى منهم : سليمان وعبد اللّه ابني داود بن الحسن بن الحسن ، وموسى بن عبد اللّه بن الحسن ، والحسن بن جعفر ، وحبس الآخرين ممن ذكرنا حتى ماتوا وذلك على شاطىء الفرات من قنطرة الكوفة ، ومواضعهم بالكوفة تزار في هذا الوقت وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة ، وكان قد هدم عليهم الموضع ، وكانوا يتوضّوَن في مواضعهم فاشتدت عليهم الرائحة ، فاحتال بعض مواليهم حتى أدخل عليهم شيئاً من الغالية ، فكانوا يدفعون بشمها تلك الروائح المنتنة ، وكان الورم في أقدامهم ، فلا يزال يرتفع حتى يبلغ الفوَاد فيموت صاحبه.
وذكر أنّهم لمّا حبسوا في هذا الموضع أشكل عليهم أوقات الصلاة ، فجزّأوا القرآن خمسة أجزاء ، فكانوا يصلّون الصلاة على فراغ كل واحد منهم من جزئه وكان عدد من بقي منهم خمسة ، فمات اسماعيل بن الحسن فترك عندهم فجيف ، فصعق داود بن الحسن فمات ، وأتى برأس إبراهيم بن عبد اللّه فوجه به المنصور مع الربيع إليهم فوضع الرأس بين أيديهم وعبد اللّه يصلي ، فقال له إدريس أخوه : اسرع في صلاتك يا أبا محمد ، فالتفت إليه وأخذ الرأس فوضعه في حجره ، وقال له : أهلاً وسهلاً يا أبا القاسم ، واللّه لقد كنت من الذين قال اللّه عزّ وجلّ فيهم :
« الّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ ولا يَنقُضُونَ المِيثاقَ * والّذِينَ يَصِلُونَ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أن يُوصَل » إلى آخر الآية ، فقال له الربيع : كيف أبو القاسم في نفسه؟ قال : كما قال الشاعر :
فتى كان يحميه من الذلّ سيفه |
|
ويكفيه أن يأتي الذنوب اجتنابها |
ثم التفت إلى الربيع : فقال : قل لصاحبك قد مضى من بوَسنا أيّام ومن نعيمك أيّام؟ والملتقى ، القيامة. قال الربيع : فما رأيت المنصور قطّ أشدّ انكساراً