وليست قصة ذي الخويصرة وحيدة في بابها ، فقد حدثت حوادث وكوارث في زمانه كادت تفرّق الأمّة ولكنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قضى عليها بعلمه وحلمه وحكمته ، ولا يقصر حديث الاِفك (١) عن قصة ذي الخويصرة ، أو قعود بعض الصحابة عن الخروج مع رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في جيش العسرة ، أو ما حدث في أيّام مرضه ، حيث طلب دواة وقرطاساً حتى يكتب كتاباً لاتضل الأمّة بعده ، فخالف بعضهم ، ووافق البعض الآخر ، فقضى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على الاختلاف وقال : « قوموا عنّي ، لا ينبغي عندي التنازع » (٢). إلى غير ذلك من حوادث مريرة في عصر الرسالة ، فقد استقبلها القائد الكبير برحابة صدر في غزواته وفي إقامته في المدينة.
وقد كانت وحدة الأمّة الاِسلامية رهن قائد مطاع معصوم ، لا يخضع لموَثرات الهوى ، وتكون الأمّة مأمورة باتّباعه قال تعالى : ( وَما كَانَ لِمُوَْمِنٍ وَلا مُوَْمِنَةٍ إذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْراً أنْ تَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أمرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِينا ) (الأحزاب ـ ٣٦).
ولئن تفرقت الأمّة إلى فرقتين أو أكثر فإنّما تفرّقوا بعد رحيله ، وسرُّ الاختلاف يكمن في تناسي الأمّة الاِمام المعصوم الذي نصبه النبي مرجعاً عند الخلاف ، غير أنّ المهتمّين بأمر الرسول ونصوصه تعلّقوا به تعلّقاً دينياً ولأجل ذلك قلّ الاختلاف بينهم أو لم يتحقق إلى عصر الصادقين عليهماالسلام وما يذكر من الفرق في عهدهما ، لا صلة لهم بالاِسلام فضلاً عن التشيّع وإنّما كان التفرّق آنذاك ارتداداً عن الاِسلام وخروجاً عن الدين كما سيتضح.
__________________
١ ـ اقرأ تفصيل القصة وتشاجر الحيّين : الأوس والخزرج في مسجد النبي بحضرته في صحيح البخاري : ٥ / ١١٩ باب غزوة بني المصطلق ، والسيرة النبوية : لابن هشام : ٣ / ٣١٢. وذكرها الشهرستاني في الملل والنحل في فصل بدايات الخلاف : ١ / ٢١.
٢ ـ لاحظ صحيح البخاري : ١ / ٢٢ ، كتاب العلم ، و ٢ / ١٤ ، والملل والنحل : للشهرستاني : ١ / ٢٢ عند البحث في بدايات الخلاف.