يوسف خطيئة او ذنبا؟
فتيقّظ فجأة الوجدان النائم في نفوسهنّ ، وأجبنه جميعا بكلام واحد ـ متّفق على طهارته و (قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ).
امّا امراة العزيز التي كانت حاضرة ايضا ، وكانت تصغي بدقّة الى حديث الملك ونسوة مصر ، فلم تجد في نفسها القدرة على السكوت ، ودون ان تسأل احسّت بأنّ الوقت قد حان لانّ تنزّه يوسف وان تعوّض عن تبكيت وجدانها وحيائها وذنبها بشهادتها القاطعة في حقّه ، وخاصّة انّها رأت كرم يوسف المنقطع النظير من خلال رسالته الى الملك ، إذ لم يعرّض فيها بالطعن في شخصيتها وكان كلامه عامّا ومغلقا تحت عنوان «نسوة مصر».
فكأنّما حدث انفجار في داخلها فجأة وصرخت و (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ).
ثمّ واصلت امراة العزيز كلامها (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) لانّي عرفت بعد هذه المدّة الطويلة وما عندي من التجارب (أَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ).
في الحقيقة (بناء على انّ الجملة المتقدّمة لامراة العزيز كما يقتضيه ظاهر العبارة) فانّها ومن اجل اعترافها الصريح بنزاهة يوسف وما اخطأته في حقّه ، تقيم دليلين :
الاوّل : انّ وجدانها ، ويحتمل بقايا علاقتها بيوسف ، لا تسمح لها ان تستر الحقّ اكثر من هذا ، وان تخون هذا الشاب الطاهر في غيابه.
الثّاني : انّ من مشاهدة الدروس المليئة بالعبر على مرور الزمن تجلّت لها هذه الحقيقة ، وهي انّ الله يرعى الصالحين ولا يوفّق الخائنين في مرادهم ابدا.
وبهذا بدأت الحجب تنقشع عن عينيها قليلا قليلا .. وتلمس حقيقة الحياة ولا سيّما في هزيمة عشقها الذي صنع غرورها وشخصيتها الخياليّة ، وانفتحت