٦٩٢ ـ ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا |
|
[وعادك ما عاد السليم المسهّدا] |
أراد : اغتماض ليلة أرمد وأضاف الاغتماض المقدّر إلى اللّيلة كما أضيف المكر إلى اللّيل والنّهار في قوله عزّ وجلّ : (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) [سبأ : ٣٣] ، فانتصاب اللّيلة انتصاب المصدر لا انتصاب الظّرف ، وكيف يكون انتصابها انتصاب الظّرف مع قوله بعده : [الطويل]
[ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا] |
|
وبتّ كما بات السّليم مسهّدا |
وأجاز بعض المتأخّرين أن يكون (الماء) رفعا بأنّه فاعل (ارتوى) من غير تقدير مضاف قال : وجاز وصف الماء بالارتواء للمبالغة كما جاز وصفه بالعطش لذلك في قوله : [الطويل]
٦٩٣ ـ [لقيت المرورى والشناخيب دونه] |
|
وجئت هجيرا يترك الماء صاديا |
ومن نصب الماء متّبعا مذهب أبي عليّ أراد : ما ارتوى الناس الماء أي : من الماء ، أضمر الفاعل وحذف الخافض فوصل الفعل ، فنصب ، كما جاء في التّنزيل : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً) [الأعراف : ١٥٥] ، أي : من قومه ، وجاء فيه حذف الباء من قوله : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) [آل عمران : ١٧٥] ، أي : يخوّفكم بأوليائه ودليل ذلك قوله : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ) [آل عمران : ١٧٥]. وجاء حذف (على) من قوله : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٥]. ومثل إضمار الفاعل هاهنا ـ ولم يتقدّم ذكر ظاهر يرجع الضّمير إليه ـ ما حكاه سيبويه من قولهم : «إذا كان غدا فأتني» (٣) ، أي : إذا كان ما نحن فيه من الرّخاء أو البلاء غدا.
و (ما) في قوله : «ما ارتوى» مصدريّة. وأبو طالب العبديّ لم يعرف في هذا البيت إلّا نصب الماء ، ولم يتّجه له إلّا إسناد ارتوى إلى (مرتوي) ، وذلك أنّه قال : معنى «ما ارتوى الماء مرتوي» ما شرب الماء شارب. ثمّ قال : وأمّا ما ذكره الشيخ أبو عليّ في قوله : «إن حملت العطف على (كان) كان (مرتوي) في موضع نصب وإن حملته على (ليت) نصبت قوله : (وشرّك) ، و (مرتوي) مرفوع» فكلام لم يفسّره رحمه الله.
__________________
٦٩٢ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ١٧١) ، والخصائص (٣ / ٣٢٢) ، وشرح المفصل (١٠ / ١٠٢) ، والمغني (ص ٦٩٠) ، وبلا نسبة في همع الهوامع (١ / ١٨٨).
٦٩٣ ـ الشاهد للمتنبي في ديوانه (٤ / ٤٢٦) ، والمحتسب (٢ / ٢٠١) ، وشرح أبيات مغني اللبيب للبغدادي (٥ / ١٩٣).
(١) انظر الكتاب (١ / ٢٨٣).