ثم قال بعد كلام آخر : ووجه تفضيل هذا النوع من الصلاة وهو الطواف على غيره من الأنواع [ثبوت] الأخصية له بمتعلق الثلاثة ، وهو البيت الحرام ، ولا خفاء بذلك ، ولذلك بدأ به فى الذكر هنا وفى قوله تعالى : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) الآيتين (سورة الحج: ٢٦ ، ٢٧) ولما كانت الصلاة على تنوعها لم تشرع إلا عبادة ، والنظر قد يكون عبادة إذا قصد التعبد به وقد لا يكون ، وذلك إذا لم يقصد به التعبد تأخر فى الرتبة (١).
وقولنا : إذا تساووا فى الوصف نحترز مما إذا اختلف وصف المتعبّدين ، فكان الطائف ساهيا غافلا والمصلى والناظر خاشعا يعبد الله كأنه يراه ، كان المتصف بذلك أفضل ، إذ ذلك الوصف لا يعد له عمل جارحة خاليا عنه ، وهو المشار إليه والله أعلم فى قوله تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (سورة الكهف : ٣٠) انتهى باختصار (٢).
وهو كلام عظيم كاف شاف حرى (٣) أن يكتب بماء الذهب فى بياض الحدق ، وقد ذكره فى كتابه «القرى» بأبسط من هذا ، واستدل بأمور معنوية قوية ظاهرة لا يحتمله هذا التعليق فليراجعه مريده فى محله ، فرحمهالله ولله دره من عالم محقق.
وفى «رسالة الحسن» أيضا أنه صلىاللهعليهوسلم قال : من نظر إلى البيت إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وحشر يوم القيامة فى الآمنين. وفيها عنه صلىاللهعليهوسلم : من نظر إلى البيت نظرة من غير طواف ولا صلاة كان عند الله عزوجل أفضل من عبادة سنة يعنى صائما وقائما وراكعا وساجدا.
وعن ابن عباس أنه قال : النظر إلى الكعبة محض الإيمان أخرجه الجندى. وعن سعيد ابن المسيب : من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وعن عطاء : النظر إلى البيت الحرام عبادة ، والناظر له بمنزلة الصائم القائم الدائم المخبت المجاهد فى سبيل الله عزوجل. وعن أبى السائب المدينى : من نظر إلى الكعبة إيمانا وتصديقا تحاتت عنه الذنوب كما يتحات الورق من الشجر. وعن زهير بن محمد قال : الجالس فى المسجد ينظر إلى البيت لا يطوف به ولا يصلى أفضل من المصلى فى بيته لا ينظر إلى البيت. أخرجها الأزرقى (٤).
__________________
(١) القرى ص ٣٢٧ وما بين حاصرتين منه.
(٢) القرى ص ٣٢٧.
(٣) تحرف فى المطبوع إلى : «حر».
(٤) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٩.