قلت : هذه الأحاديث ونحوها تدل على فضيلة المدينة لا أفضليتها على مكة كما لا يخفى ، وقوله صلىاللهعليهوسلم اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ، وفى رواية وأشد لا دلالة فيه أما على رواية أو أشد فظاهر لوجود الشك ، وأما على رواية وأشد بدون ألف أو بها وتكون بمعنى الواو فلأن سؤاله صلىاللهعليهوسلم حصول أشدية الحب للمدينة بعد وجود المانع من سكناه مكة تسلية عنها لا يلزم منه تفضيل المدينة على مكة بعد استحضار ما تقدم من قولهصلىاللهعليهوسلم لقد عرفت أنك أحب البلاد إلى الله وأكرمها على الله بشهادة التأمل. انتهى.
فصل
(واعلم) أن جميع ما سبق من الفضل فيما قدمته محله فى غير الموضع الذى ضم أعضاء النبى صلىاللهعليهوسلم أما محل قبره فقد نقل القاضى عياض رحمهالله فى «شرح مسلم» الإجماع على أنه أفضل بقاع الأرض حتى موضع الكعبة وأن الخلاف فيما سواه ، ولقد أحسن وأبدع من قال فى المعنى :
جزم الجميع بأن خير الأرض ما |
|
قد حاط ذات المصطفى وحواها |
ونعم لقد صدقوا بساكنها علت |
|
كالنفس حين زكت زكا مأواها |
قال بعض المحققين وقياسه أن يقال : إن الكعبة الشريفة أفضل من سائر بقاع المدينة قطعا ما عدا موضع القبر الشريف.
تنبيه : روى ابن عبد البر فى «التمهيد» أن المرء يدفن فى البقعة التى أخذ منها ترابه عندما خلق. قال شيخ الإسلام ابن حجر : وعلى هذا فقد روى الزبير بن بكار أن جبريل أخذ التراب الذى خلق منه النبى صلىاللهعليهوسلم من تراب الكعبة فعلى هذا فالبقعة التى ضمت أعضاءه صلىاللهعليهوسلم من تراب الكعبة فرجع الفضل المذكور إلى مكة إن صح ذلك والله أعلم. انتهى.
قال بعض العلماء : يؤخذ من قولهم المرء يدفن فى البقعة التى أخذ منها ترابه أفضلية سيدنا أبى بكر وسيدنا عمر على بقية الصحابة لدفنهما بالقرب من النبى صلىاللهعليهوسلم المقتضى لكون طينتهما التى خلقا منها من البقعة التى خلق منها النبى صلىاللهعليهوسلم.