فإن قيل : قد اتفق النحاة على أن المضمرات أعرف المعارف وأعرفها أنا. فهذه الكلمة فى الغاية القصوى فى التعريف ، فكيف كان العلم أعرف منها ، وإنما اختلف النحاة فى اسم الإشارة والعلم لا فى المضمر. فالجواب أن المضمر إذا عاد وتعين مظهره فهو أعرف المعارف حينئذ ، والمستأذن محجوب عن المستأذن عليه غير متعين عنده فكأنه أحاله على جهالة.
(حكاية لطيفة استطرادية) : تنبه على رعاية الأدب مع الله تعالى جل وعلا : حكى أن سيبويه رحمهالله رئى فى المنام بعد وفاته ، فقيل له ماذا لقيت؟ فقال خيرا كثيرا ، فقال له بماذا؟ فقال : سئلت فى الدنيا عن أعرف المعارف ، فقلت اسم الله عزوجل فشكر الله لى ذلك.
السادسة والعشرون : قول الخازن لجبريل ، ومن معك؟ قال : محمد ، فيه دليل على أن الإذن لواحد لا يتناول غيره ، وإن كان فى صحبته ولهذا استفهم الخازن حتى يكون لمن معه إذن مستقل ، وهو عرف الناس إذا أذن لأحد وكان فى صحبته غيره أن يقول ومن معى ، فيستأنف الاستئذان لمن معه ، وقوله وقد بعث إليه؟ أراد به الاستفهام فحذفت الهمزة للعلم بها ، وأصل الكلام أوقد بعث إليه. والنحاة يمنعون حذف الهمزة فيحمل كلامهم على المنع حيث لا دليل على المحذوف ، وإلا فالحديث حجة عليهم.
السابعة والعشرون : لم يرد الخازن بقوله وقد بعث إليه أصل الرسالة ، فإن الظاهر أنه كان معلوما عندهم ، وأنما أراد البعث للمعراج.
الثامنة والعشرون : موقع قول الخازن أوقد بعث إليه ، استنطاق جبريل بالسبب الموجب للإذن والفتح ، لأنه مجرد قول جبريل عليهالسلام معى محمد لا يوجب الإذن إلا بواسطة البعث من صاحب الإذن جل وعلا.
التاسعة والعشرون : إن قيل : لم لم يخاطبه الخازن بصيغة الخطاب فيقول مرحبا بك ، وإنما أورد التحية بصيغة الغيبة؟ أجيب بأنه حياه قبل أن يفتح الباب وقبل أن يصدر من النبى صلىاللهعليهوسلم خطاب ، ولهذا قال الخازن لجبريل : ومن معك بصيغة الخطاب ، لأن جبريل خاطب الملك فارتفع حكم الغيبة بالتخاطب من الجانبين.