ثم أعتقت فمكثت ثلاثة أيام لا أجد شيئا آكله ، فانطلقت إلى زمزم فبركت على ركبتى مخافة أن أستقى وأنا قائم فيرفعنى الدلو من الجهد ، فجعلت أنزع قليلا قليلا حتى أخرجت الدلو ، فشربت فإذا أنا بصريف اللبن فقلت : لعلّى ناعس ، فضربت بالماء على وجهى وانطلقت وأنا أجد قوة اللبن وشبعه (١). ومعنى صريف اللبن : ساعة يصرف عن الضرع.
ومنها ما أخرجه أيضا عن بعض الرعاة من العباد أنه كان إذا حصل له ظمأ وشرب من زمزم وجد الماء لبنا ، وإذا أراد أن يتوضأ وجده ماء (٢).
ومنها ما ذكره الفاسى عن الفاكهى أن رجلا شرب سويقا وكان فى السويق إبرة ، فنزلت فى حلق الرجل واعترضت ، وصار لا يقدر يطبق فمه ، فأتاه آت فقال له : اذهب إلى ماء زمزم ، فاشرب منه واسأل الله الشفاء. فدخل إلى زمزم فشرب منه شيئا وما أساغه إلا بعد جهد ومشقة من ألم تلك الإبرة ثم خرج وهو على تلك الحال ، فانتهى إلى أسطوانة من أساطين المسجد واستند إليها فغلبته عيناه فنام ثم انتبه من نومه ولم يجد من ذلك الألم شيئا (٣).
ومنها أن الشيخ العلامة المفتى أبا بكر عمر الشهير بالشنينى ـ بشين معجمة ونون ثم مثناة من تحت ونون وياء النسبة ـ أحد بنى العلماء المعتبرين ببلاد اليمن ، حصل له استسقاء عظيم واشتد به فذهب إلى طبيب فلما رآه أعرض عنه ، وقال لبعض أصحابه : هذا ما يمكث ثلاثة أيام فانكسر خاطره لذلك ، وألقى الله بباله أن يشرب من ماء زمزم بنية الشفاء عملا بالحديث ، فقصد زمزم وشرب منه حتى تضلع فأحس بانقطاع شىء فى جوفه ، فبادر حتى وصل إلى رباط السدرة الذى هو الآن مدرسة السلطان قايتباى رحمهالله فأسهل إسهالا كثيرا ثم عاد إلى زمزم وشرب منها ثانيا حتى امتلأ ريّا ، ثم أسهل إسهالا بليغا فشفاه الله من ذلك الاستسقاء. فبينما هو فى بعض الأيام برباط ربيع يغسل ثوبه وإذا بالطبيب الذى أعرض عن ملاطفته قد رآه ، فقال له : أنت صاحب تلك العلة؟ قال : نعم فقال له: بم تداويت؟ فقال : بماء زمزم ، فقال الطبيب : لطف بك (٤).
__________________
(١) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٥٣.
(٢) أخبار مكة للأزرقى ج ٢ ص ٥٤.
(٣) شفاء الغرام ج ١ ص ٤٠٩.
(٤) شفاء الغرام ج ١ ص ٤١٠.