قال الجد رحمهالله : فإن قلت : هذا الحديث ظاهره معارض لقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) (سورة العنكبوت : ٦٧) ولأن الله تعالى حبس عن مكة الفيل ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة ، ولم تكن إذ ذاك قبلة فكيف يسلط عليها الحبشة بعد أن صارت قبلة لمسلمين.
قلت : (الجواب) أن ذلك محمول على وقوعه فى آخر الزمان قريب من قيام الساعة حيث لا يبقى فى الأرض قرآن ولا إيمان. انتهى بمعناه.
أقول : ويؤيده ما روى عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه أنه قال : قال الله تعالى: إذا أردت أن أخرب الدنيا بدأت ببيتى فخربته ، ثم أخرب الدنيا على أثره. انتهى.
قال شيخ الإسلام فى «فتح البارى» : وما وقع قبل ذلك فيه من القتال وغزو أهل الشام له فى زمن يزيد بن معاوية ثم من بعده وفى وقائع كثيرة من أعظمها وقعة القرامطة ، كل ذلك لا يعارض الآية أعنى قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) لأن ذلك إنما وقع بأيدى المسلمين ، فهو مطابق لقوله صلىاللهعليهوسلم : «ولن يستحل هذا البيت إلا أهله». وليس فى الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها. انتهى.
وقال الزركشى : والحق فى الجواب أنه لا يلزم من قوله : (حَرَماً آمِناً) وجود ذلك فى كل الأوقات فلا يعارضه ارتفاع هذا المعنى فى وقت آخر. فإن قيل : قد قالصلىاللهعليهوسلم : «إنى أحلت لى مكة ساعة من نهار ثم عادت حرمتها إلى يوم القيامة». قلنا : أما الحكم بالحرمة والأمن فلم يرتفع إلى يوم القيامة ، وأما وقوع الخوف فيها وترك حرمتها فقد وجد ذلك فى أيام يزيد وغيرها. انتهى.
وعن الحليمى من الشافعية أن تخريب الحبشة للبيت يكون فى زمن عيسى عليهالسلام ، والصحيح بأن ذلك بعد موته.
ولما انتهى ابن الزبير رضى الله عنه من هدم البيت حفر عن الأساس من نحو الحجر ـ بكسر الحاء ـ ليقف على قواعد إبراهيم فلم يصب شيئا فشق عليه ذلك فبالغ فى الحفر ونزل بنفسه فكشفوا له عن قواعد إبراهيم فإذا هى صخر أمثال الخلف من الإبل ـ بالخاء المعجمة واللام.