العلوم كلها ضرورية ، فكلّ من لم يضطرّ إلى معرفة الله فليس بمأمور بها ، وهو كالبهائم ونحوها ، وزعم أن اليهود والنصارى والزنادقة يصيرون يوم القيامة ترابا كالبهائم لا نواب لهم ولا عقاب عليهم البتة ، لأنهم غير مأمورين ، إذ هم غير مضطرّين إلى معرفة الله تعالى ، وزعم أنّ الأفعال كلها متولدة لا فاعل لها ، وأنّ الاستطاعة هي السلامة وصحة الجوارح ، وأن العقل هو الذي يحسن ويقبح ، تجب معرفة الله قبل ورود الشرع وأن لا فعل للإنسان إلّا الإرادة ، وما عداها فهو حدث.
والخامسة عشر الجاحظية : أتباع أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، وله مسائل تميز بها عن أصحابه منها : أن المعارف كلها ضرورية ، وليس شيء من ذلك من أفعال العباد ، وإنما هي طبيعية ، وليس للعباد كسب سوى الإرادة ، وأنّ العباد لا يخلدون في النار بل يصيرون من طبيعتها ، وأنّ الله لا يدخل أحدا النار ، وإنما النار تجذب أهلها بنفسها وطبيعتها ، وأن القرآن المنزل من قبيل الأجساد ، ويمكن أن يصير مرّة رجلا ومرّة حيوانا ، وأن الله لا يريد المعاصي ، وأنه لا يرى ، وأن الله يريد بمعنى أنه لا يغلط ، ولا يصح في حقه السهو فقط ، وأنه يستحيل العدم على الجواهر من الأجسام.
والسادسة عشر الخياطية : أصحاب أبي الحسين بن أبي عمرو الخياط شيخ أبي القاسم الكعبيّ من معتزلة بغداد ، زعم أن المعدوم شيء ، وأنه في العدم جسم إن كان في حدوثه جسما ، وعرض إن كان في حدوثه عرضا.
والسابعة عشر الكعبية : أتباع أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخيّ المعروف بالكعبيّ من معتزلة بغداد ، انفرد بأشياء منها : أن إرادة الله ليست صفة قائمة بذاته ، ولا هو مدبر لذاته ، ولا إرادته حادثة في محل ، وإنما يرجع ذلك إلى العلم فقط ، والسمع والبصر يرجع إلى ذلك أيضا ، وأنكر الرؤية وقال : إذا قلنا أنه يرى المرئيات فإنما ذلك يرجع إلى علمه بها وتمييزها قبل أن يوجد.
والثامنة عشر الجبائية : أتباع أبي عليّ محمد بن عبد الوهاب الجبائيّ ، من معتزلة البصرة ، تفرّد بمقالات منها. أنّ الله تعالى يسمى مطيعا للعبد إذا فعل ما أراد العبد منه ، وأن الله محبل للنساء بخلق الولد فيهنّ ، وأن كلام الله عرض يوجد في أمكنة كثيرة ، وفي مكان بعد مكان من غير أن يعدم من مكانه الأوّل ، ثم يحدث في الثاني وكان يقف في فضل عليّ على أبي بكر ، وفضل أبي بكر على عليّ ، ومع ذلك يقول إنّ أبا بكر خير من عمر وعثمان ، ولا يقول أن عليا خير من عمر وعثمان.
والتاسعة عشرة البهشمية : أتباع أبي هاشم عبد السلام بن أبي عليّ الجبائي ، انفرد ببدع في مقالاته ، منها القول باستحقاق الذم من غير ذنب ، وزعم أن القادر منا يجوز أن يخلو عن الفعل والترك ، وأن القادر المأمور المنهيّ إذا لم يفعل فعلا ولا ترك يكون عاصيا