وقد ملكوا البرّ الغربيّ. فثبت لقتالهم مع ما حدث من الوهن بموت السلطان ، وثارت العربان بنواحي أرض مصر وكثر خلافهم واشتدّ ضررهم ، وقام الأمير عماد الدين أحمد ابن الأمير سيف الدين أبي الحسين عليّ بن أحمد الهكاريّ ، المعروف بابن المشطوب ، وكان أجلّ الأمراء الأكابر ، وله لفيف من الأكراد الهكارية ، يريد خلع الملك الكامل وتمليك أخيه الملك الفائز إبراهيم بن العادل ، ووافقه على ذلك كثير من الأمراء ، فلم يجد الكامل بدّا من الرحيل في الليل جريدة ، وسار من العادلية إلى أشموم طناح ونزل بها وأصبح العسكر بغير سلطان ، فركب كل واحد هواه ولم يعرّج واحد منهم على آخر ، وتركوا أثقالهم وسائر ما معهم ، فاغتنم الفرنج الفرصة وعبروا إلى برّ دمياط واستولوا على جميع ما تركه المسلمون ، وكان شيئا عظيما ، وهمّ الملك الكامل بمفارقة أرض مصر ، ثم إن الله تعالى ثبته وتلاحقت العساكر ، وبعد يومين قدم عليه أخوه الملك المعظم عيسى صاحب دمشق باشموم ، فاشتدّ عضده بأخيه ، وأخرج ابن المشطوب من العسكر إلى الشام ، ثم أخرج الفائز إبراهيم إلى الملوك الأيوبية بالشام والشرق يستنفرهم لجهاد الفرنج ، وكتب الملك الكامل إلى أخيه الملك الأشرف موسى شاه يستحثه على الحضور ، وصدّر المكاتبة بهذه الأبيات :
يا مسعدي إن كنت حقا مسعفي |
|
فانهض بغير تلبث وتوقف |
واحثت قلوصك مرقلا (١) أو موجفا(٢) |
|
بتجشم (٣) في سيرها وتعسف (٤) |
واطو المنازل ما استطعت ولا تنخ |
|
إلّا على باب المليك الأشرف |
واقر السلام عليه من عبد له |
|
متوقع لقدومه متشوّف |
وإذا وصلت إلى حماه فقل له |
|
عني بحسن توصل وتلطف |
إن تأت عبدك عن قليل تلقه |
|
ما بين كلّ مهند ومثقف |
أو تبط عن إنجاده فلقاؤه |
|
بك في القيامة في عراص (٥) الموقف |
وجدّ الكامل في قتال الفرنج وأمر بالنفير في ديار مصر ، وأتته الملوك من الأطراف ، فقدّر الله أخذ الفرنج لدمياط بعد ما حاصروها ستة عشر شهرا واثنين وعشرين يوما ، ووضعوا السيف في أهلها ، فرحل الكامل من أشموم ونزل بالمنصورة وبعث يستنفر الناس ، وقوي الفرنج حتى بلغت عدّتهم نحو المائتي ألف راجل ، وعشرة آلاف فارس ، وقدم عامّة أهل أرض مصر ، وأتت النجدات من البلاد الشامية وغيرها ، فصار المسلمون في جمع عظيم إلى الغاية بلغت عدّة فرسانهم خاصة نحو الأربعين ألفا ، وكانت بين الفريقين خطوب آلت إلى
__________________
(١) مرقلا : مسرعا.
(٢) أوجف دابته : حثها وحملها على الإسراع في السير.
(٣) جشّمه الأمر : كلفه إياه وحمله عليه على كره ومشقة.
(٤) التعسف : الأخذ بالعنف والقوّة.
(٥) عراص : جمع عرصة : ساحة الدار.