القصور والمناظر ، كما تقدّم ذكره ، نزل القاضي كمال الدين ظاهر ابن الفقيه نصر وكيل بيت المال ، وقوّم قاعة الخيم هذه ، وابتاعها الشيخ شمس الدين محمد بن العماد إبراهيم المقدسيّ شيخ الحنابلة ومدرّس المدرسة الصالحية النجمية ، ثم باعها المذكور للسلطان ، فأمر بهدمها وبناء موضعها مدرسة ، فابتديء بعمارتها في ثاني ربيع الآخر سنة ستين وستمائة ، وفرغ منها في سنة اثنتين وستين وستمائة ، ولم يقع الشروع في بنائها حتى رتب السلطان وقفها ، وكان بالشام ، فكتب بما رتبه إلى الأمير جمال الدين بن يغمور ، وأن لا يستعمل فيها أحدا بغير أجرة ، ولا ينقص من أجرته شيئا ، فلما كان يوم الأحد خامس صفر سنة اثنتين وستين وستمائة ، اجتمع أهل العلم بها وقد فرغ منها وحضر القرّاء وجلس أهل الدروس كلّ طائفة في إيوان ، منها الشافعية بالإيوان القبليّ ومدرّسهم الشيخ تقيّ الدين محمد بن الحسن بن رزين الحمويّ ، والحنفية بالإيوان البحريّ ومدرّسهم الصدر مجد الدين عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين عمر بن العديم الحلبيّ ، وأهل الحديث بالإيوان الشرقيّ ومدرّسهم الشيخ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطيّ ، والقرّاء بالقراءات السبع بالإيوان الغربيّ وشيخهم الفقيه كمال الدين المحليّ ، وقرّروا كلهم الدروس وتناظروا في علومهم ، ثم مدّت الأسمطة لهم فأكلوا ، وقام الأديب أبو الحسين الجزار فأنشد :
ألا هكذا يبني المدارس من بنى |
|
ومن يتغالى في الثواب وفي الثنا |
لقد ظهرت للظاهر الملك همة |
|
بها اليوم في الدارين قد بلغ المنا |
تجمّع فيها كلّ حسن مفرّق |
|
فراقت قلوبا للأنام وأعينا |
ومذ جاورت قبر الشهيد فنفسه الن |
|
فيسة منها في سرور وفي هنا |
وما هي إلّا جنة الخلد أزلفت |
|
له في غد فاختار تعجيلها هنا |
وقال السراج الورّاق أيضا قصيدة منها :
مليك له في العلم حبّ وأهله |
|
فلله حبّ ليس فيه ملام |
فشيّدها للعلم مدرسة غدا |
|
عراق إليها شيّق وشآم |
ولا تذكرن يوما نظّاميّة لها |
|
فليس يضاهي ذا النظّام نظّام |
ولا تذكرن ملكا فبيبرس مالك |
|
وكلّ مليك في يديه غلام |
ولما بناها زعزعت كلّ بيعة |
|
متى لاح صبح فاستقرّ ظلام |
وقد برزت كالروض في الحسن انبأت |
|
بأنّ يديه في النوال غمام |
الم تر محرابا كأنّ أزاهرا |
|
تفتّح عنهنّ الغداة كمام |
وقال الشيخ جمال الدين يوسف بن الخشاب :
قصد الملوك حماك والخلفاء |
|
فافخر فإن محلك الجوزاء |