وثمانين ، وعوقب حتى مات يوم الاثنين خامس عشرة بقلعة الجبل ، وبقي ثمانية أيام بعد قتله مطروحا بحبس القلعة ، ثم أخرج في ليلة الجمعة سادس عشري ذي القعدة وقد لف في حصير وحمل على جنوية إلى زاوية الشيخ أبي السعود بالقرافة ، فغسله الشيخ عمر السعوديّ شيخ الزواية وكفنه من ماله ودفنه خارج الزاوية ليلا ، وبقي هناك إلى سلطنة العادل كتبغا ، فأمر بنقل جثته إلى تربته التي أنشأها بمدرسته هذه.
وكان سبب القبض عليه وقتله ، أن الملك الأشرف كان يكرهه كراهة شديدة ، فإنه كان يطرح جانبه في أيام أبيه ، ويغض منه ويهين نوّابه ويؤذي من يخدمه ، لأنه كان يميل إلى أخيه الملك الصالح علاء الدين عليّ بن قلاون ، فلما مات الصالح عليّ وانتقلت ولاية العهد إلى الأشرف خليل بن قلاون ، مال إليه من كان ينحرف عنه في حياة أخيه إلّا طرنطاي ، فإنه ازداد تماديا في الإعراض عنه وجرى على عادته في أذى من ينسب إليه ، وأغرى الملك المنصور بشمس الدين محمد بن السلعوس ناظر ديوان الأشرف حتى ضربه وصرفه عن مباشرة ديوانه ، والأشرف مع ذلك يتأكد حنقه عليه ولا يجد بدّا من الصبر إلى أن صار له الأمر بعد أبيه ، ووقف الأمير طرنطاي بين يديه في نيابة السلطنة على عادته وهو منحرف عنه لما أسلفه من الإساءة عليه ، وأخذ الأشرف في التدبير عليه إلى أن نقل له عنه أنه يتحدّث سرّا في إفساد نظام المملكة وإخراج الملك عنه ، وأنه قصد أن يقتل السلطان وهو راكب في الميدان الأسود الذي تحت قلعة الجبل عند ما يقرب من باب الإصطبل ، فلم يحتمل ذلك. وعندها سير أربعة ميادين والأمير طرنطاي ومن وافقه عند باب سارية حتى انتهى إلى رأس الميدان وقرب من باب الإصطبل ، وفي الظنّ أنه يعطف إلى باب سارية ليكمل التسيير على العادة ، فعطف إلى جهة القلعة وأسرع ودخل من باب الإصطبل ، فبادر الأمير طرنطاي عندما عطف السلطان وساق فيمن معه ليدركوه ، ففاتهم وصار بالإصطبل فيمن خف معه من خواصه ، وما هو إلّا أن نزل الأشرف من الركوب فاستدعى بالأمير طرنطاي ، فمنعه الأمير زين الدين كتبغا المنصوريّ عن الدخول إليه وحذره منه وقال له : والله إني أخاف عليك منه فلا تدخل عليه إلا في عصبة تعلم أنهم يمنعونك منه إن وقع أمر تكرهه ، فلم يرجع إليه وغرّه أن أحدا لا يجسر عليه لمهابته في القلوب ومكانته من الدولة ، وأن الأشرف لا يبادره بالقبض عليه وقال لكتبغا : والله لو كنت نائما ما جسر خليل ينبهني. وقام ومشى إلى السلطان ودخل ومعه كتبغا ، فلما وقف على عادته بادر إليه جماعة قد أعدّهم السلطان وقبضوا عليه ، فأخذه اللكم من كلّ جانب والسلطان يعدّد ذنوبه ويذكر له إساءته ويسبه. فقال له يا خوند : هذا جميعه قد عملته معك ، وقدّمت الموت بين يديّ ، ولكن والله لتندمنّ من بعدي. هذا والأيدي تتناوب عليه حتى أنّ بعض الخاصكية قلع عينه وسحب إلى السجن ، فخرج كتبغا وهو يقول : إيش أعمل ويكرّرها ، فأدركه الطلب وقبض عليه أيضا ، ثم آل آمر كتبغا بعد ذلك إلى أن ولي سلطنة مصر ، وأوقع الأشرف الحوطة على أموال طرنطاي