إقطاعات الأجناد له ، فجلس في شباك دار النيابة بقلعة الجبل ، ووقف الحجاب بين يديه ، وأعطى لكل تقدمة منالات ، فلم يجسر أحد أن يتحدّث في زيادة ولا نقصان خوفا من سوء خلقه وشدّة حمقه ، وبقي أياما في تفرقة المنالات والناس على خوف شديد. فإنّ أقلّ الإقطاعات كان في أيام الملك المنصور قلاون عشرة آلاف درهم في السنة ، وأكثره ثلاثين ألف درهم. فرجع في الروك الحساميّ أكثر إقطاعات الحلقة إلى مبلغ عشرين ألف درهم وما دونها ، فشق ذلك على الأجناد ، وتقدّم طائفة منهم ورموا منالاتهم التي فرّقت عليهم ، لأن الواحد منهم وجد مناله بحق النصف مما كان له قبل الروك ، وقالوا لمنكوتمر : إما أن تعطونا ما يقوم بكلفنا وإلّا فخذوا أخبازكم ونحن نخدم الأمراء أو نصير بطالين. فغضب منكوتمر وأخرق بهم وتقدّم إلى الحجاب فضربوهم ، وأخذوا سيوفهم وأودعوهم السجون ، وأخذ يخاطب الأمراء بفحش ويقول : أيما قوّاد شكا من خبزه؟ ويقول نقول للسلطان فعلت به ، وفعلت إيش يقول للسلطان ، إن رضي يخدم وإلّا إلى لعنة الله ، فشق ذلك على الأمراء وأسرّوا له الشرّ ، ثم إنه لم يزل بالسلطان حتى قبض على الأمير بدر الدين بيسرى ، وحسن له إخراج أكابر الأمراء من مصر ، فجرّدهم إلى سيس ، وأصبح وقد خلا له الجوّ ، فلم يرض بذلك حتى تحدّث مع خوشداشيته بأنه لا بدّ أن ينشئ له دولة جديدة ويخرج طفجي وكرجي من مصر ، ثم إنه جهز حمدان بن صلغاي إلى حلب في صورة أنه يستعجل العساكر من سيس ، وقرّر معه القبض على عدّة من الأمراء ، وأمّر عدّة أمراء جعلهم له عدّة وذخرا ، وتقدّم إلى الصاحب فخر الدين الخليليّ بأن يعمل أوراقا تتضمن أسماء أرباب الرواتب ليقطع أكثرها ، فلم تدخل سنة ثمان وتسعين حتى استوحشت خواطر الناس بمصر والشام من منكوتمر ، وزاد حتى أراد السلطان أن يبعث بالأمير طغا إلى نيابة طرابلس ، فتنصل طغا من ذلك ، فلم يعفه السلطان منه ، وألح منكوتمر في إخراجه وأغلظ للأمير كرجي في القول ، وحط على سلار وبيبرس الجاشنكير وأنظارهم ، وغض منهم ، وكان كرجي شرس الأخلاق ضيق العطن سريع الغضب ، فهمّ غير مرّة بالفتك بمنكوتمر ، وطفجي يسكن غضبه ، فبلغ السلطان فساد قلوب الأمراء والعسكر ، فبعث قاضي القضاة حسام الدين الحسن بن أحمد بن الحسن الروميّ الحنفيّ إلى منكوتمر يحدّثه في ذلك ويرجعه عما هو فيه ، فلم يلتفت إلى قوله وقال : أنا مالي حاجة بالنيابة ، أريد أخرج مع الفقراء فلما بلغ السلطان عنه ذلك استدعاه وطيب خاطره ووعده بسفر طفجي بعد أيام ، ثم القبض على كرجي بعده ، فنقل هذا للأمراء ، فتحالفوا وقتلوا السلطان كما قد ذكر في خبره ، وأوّل من بلغه خبر مقتل السلطان الأمير منكوتمر ، فقام إلى شباك النيابة بالقلعة فرأى باب القلة وقد انفتح وخرج الأمراء والشموع تقد والضجة قد ارتفعت فقال : والله قد فعلوها ، وأمر فغلقت أبواب دار النيابة ، وألبس مماليكه آلة الحرب ، فبعث الأمراء إليه بالأمير الحسام أستادار ، فعرّفه بمقتل السلطان وتلطف به حتى نزل وهو مشدود الوسط بمنديل ، وسار به إلى باب القلة والأمير طفجي قد