ثم تحدّث مع الأمير بكتاش الفخريّ إلى أن ضمن له التحدّث مع الأمراء ، وسعى في الصلح بينهما وبين الأمراء والمماليك حتى زالت الوحشة ، وظهرا من بيت الأمير كتبغا ، فأحضرهما بين يدي السلطان وقبلا الأرض وأفيضت عليهما التشاريف وجعلهما أمراء على عادتهما ، ونزلا إلى دورهما فحمل إليهما الأمراء ما جرت العادة به من التقادم ، فلم يزل قراسنقر على إمرته إلى أن خلع الملك الناصر محمد بن قلاون من السلطنة وقام من بعده الملك العادل زين الدين كتبغا ، فاستمرّ على حاله إلى أن ثار الأمير حسام الدين لاجين نائب السلطنة بديار مصر على الملك العادل كتبغا بمنزلة العوجاء من طريق دمشق ، فركب معه قراسنقر وغيره من الأمراء إلى أن فرّ كتبغا ، واستمرّ الأمر لحسام الدين لاجين وتلقب بالملك المنصور ، فلما استقرّ بقلعة الجبل خلع على الأمير قراسنقر وجعله نائب السلطنة بديار مصر في صفر سنة ست وتسعين وستمائة ، فباشر النيابة إلى يوم الثلاثاء للنصف من ذي القعدة ، فقبض عليه وأحيط بموجوده وحواصله ونوّابه ودواوينه بديار مصر والشام ، وضيق عليه واستقرّ في نيابة السلطنة بعده الأمير منكوتمر ، وعدّ السلطان من أسباب القبض عليه إسرافه في الطمع وكثرة الحمايات وتحصيل الأموال على سائر الوجوه ، مع كثرة ما وقع من شكاية الناس من مماليكه ومن كاتبه شرف الدين يعقوب ، فإنه كان قد تحكم في بيته تحكما زائدا ، وعظمت نعمته وكثرت سعادته ، وأسرف في اتخاذ المماليك والخدم ، وانهمك في اللعب الكثير ، وتعدّى طوره وقراسنقر لا يسمع فيه كلاما ، وحدّثه السلطان بسببه وأغلظ في القول وألزمه بضربه وتأديبه أو إخراجه من عنده ، فلم يعبأ بذلك. وما زال قراسنقر في الاعتقال إلى أن قتل الملك المنصور لاجين وأعيد الملك الناصر محمد بن قلاون إلى السلطنة فأفرج عنه وعن غيره من الأمراء ورسم له بنيابة الصبيبة فخرج إليها ثم نقل منها إلى نيابة حماه بعد موت صاحبها الملك المظفر تقيّ الدين محمود بسفارة الأمير بيبرس الجاشنكير ، والأمير سلار ، ثم نقل من نيابة حماه بعد ملاقاة التتر إلى نيابة حلب ، واستقرّ عوضه في نيابة حماه الأمير زين الدين كتبغا الذي تولى سلطنة مصر والشام ، وذلك في سنة تسع وتسعين وستمائة ، وشهد وقعة شقحب مع الملك الناصر محمد بن قلاون ، ولم يزل على نيابة حلب إلى أن خلع الملك الناصر وتسلطن الملك المظفر بيبرس الجاشنكير وصاحب الناصر في الكرك ، فلما تحرّك لطلب الملك واستدعى نوّاب الممالك ، أجابه قراسنقر وأعانه برأيه وتدبيره ، ثم حضر إليه وهو بدمشق وقدّم له شيئا كثيرا وسار معه إلى مصر حتى جلس على تخت ملكه بقلعة الجبل ، فولاه نيابة دمشق عوضا عن الأمير عز الدين الأفرم في شوّال سنة تسع وسبعمائة ، وخرج إليها فسار إلى غزة في عدّة من النوّاب وقبضوا على المظفر بيبرس الجاشنكير وسار به هو والأمير سيف الدين الحاج بهادر إلى الخطارة ، فتلقاهم الأمير استدمر كرجي ، فتسلم منهم بيبرس وقيده وأركبه بغلا وأمر قراسنقر والحاج بهادر بالسير إلى مصر ، فشق على قراسنقر تقييد بيبرس ، وتوهم الشرّ من الناصر ، وانزعج لذلك انزعاجا