أربع وعشرين عوضا عن الصاحب أمين الملك عبد الله بن الغنام بعد ما استعفى من الوزارة ، اعتذر بأنه رجل غتميّ ، فلم يعفه السلطان وقال : أنا أخلي من يباشر معك ويعرّفك ما تعمل ، وطلب شمس الدين غبريال ناظر دمشق منها وجعله ناظر الدولة ، رفيقا للوزير الجماليّ ، فرفعت قصة إلى السلطان وهو في القصر من القلعة ، فيها الحط على السلطان بسبب تولية الجماليّ الوزارة والماس حاجبا ، وأنه بسبب ذلك أضاع أوضاع المملكة وأهانها وفرّط في أموال المسلمين والجيش ، وأن هذا لم يفعله أحد من الملوك ، فقد وليت الحجابة لمن لا يعرف يحكم ولا يتكلم بالعربيّ ولا يعرف الإحكام الشرعية ، ووليت الوزارة والاستادارية لشاب لا يعرف يكتب اسمه ، ولا يعرف ما يقال له ، ولا يتصرّف في أمور المملكة ولا في الأموال الديوانية إلا أرباب الأقلام ، فإنهم يأكلون المال ويحيلون على الوزير. فلما وقف السلطان عليها ، أوقف عليها القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله ، المعروف بالفخر ناظر الجيش. فقال : هذه ورقة الكتّاب البطالين ، ممن انقطع رزقه وكثر حسده ، وقرّر مع السلطان أن يلزم الوزير ناظر الدولة وناظر الخواص بإحضار أوراق في كل يوم تشتمل على أصل الحاصل ، وما حمل في ذلك اليوم من البلاد والجهات ، وما صرف. وأنه لا يصرف لأحد شيء البتة إلّا بأمر السلطان وعلمه.
فلما حضر الوزير الجماليّ أنكر عليه السلطان وقال له : إن الدواوين تلعب بك ، وأمر فأحضر التاج إسحاق ، وغبريال ، ومجد الدين بن لعيبة ، وقرّر معهم أن يحضروا آخر كلّ يوم أوراقا بالحاصل والمصروف ، وقد فصلت بأسماء ما يحتاج إلى صرفه وإلى شرائه وبيعه ، فصاروا يحضرون كلّ يوم الأوراق إلى السلطان وتقرأ عليه ، فيصرف ما يختار ويوقف ما يريد ، ورسم أيضا أن مال الجيزة كله يحمل إلى السلطان ولا يصرف منه شيء. ثم لما كانت الفتنة بثغر الإسكندرية بين أهلها وبين الفرنج ، وغضب السلطان على أهل الإسكندرية ، بعث بالجماليّ إليها ، فسار من القاهرة في أثناء رجب سنة سبع وعشرين وسبعمائة ، ودخل إليها فجلس بالخمس واستدعى بوجوه أهل البلد ، وقبض على كثير من العامّة ، ووسط بعضهم وقطع أيدي جماعة وأرجلهم ، وصادر أرباب الأموال حتى لم يدع أحدا له ثروة ، حتى ألزمه بمال كثير ، فباع الناس حتى ثياب نسائهم في هذه المصادرة ، وأخذ من التجار شيئا كثيرا مع ترفقه بالناس فيما يرد عليه من الكتب بسفك الدماء ، وأخذ الأموال ، ثم أحضر العدد التي كانت بالثغر مرصدة برسم الجهاد ، فبلغت ستة آلاف عدّة ، ووضعها في حاصل وختم عليه وخرج من الإسكندرية بعد عشرين يوما وقد سفك دماء كثيرة ، وأخذ منها مائتي ألف دينار للسلطان وعاد إلى القاهرة ، فلم يزل على حاله إلى أن صرف عن الوزارة في يوم الأحد ثاني شوّال سنة ثمان وعشرين ، ورسم أن توفر وظيفة الوزارة من ولاية وزير ، فلم يستقرّ أحد في الوزارة وبقي الجماليّ على وظيفة الأستادارية ، وكان سبب عزله عن الوزارة توقف حال الدولة وقلة الواصل إليها ، فعمل عليه الفخر ناظر