محمود بن عليّ الأستادار في سنة سبع وتسعين وسبعمائة ، ورتب بها درسا ، وعمل فيها خزانة كتب لا يعرف اليوم بديار مصر ولا الشام مثلها ، وهي باقية إلى اليوم لا يخرج لأحد منها كتاب إلّا أن يكون في المدرسة ، وبهذه الخزانة كتب الإسلام من كلّ فنّ ، وهذه المدرسة من أحسن مدارس مصر.
محمود بن عليّ بن أصفر ، عينه الأمير جمال الدين الأستادار ولي شدّ باب رشيد بالإسكندرية مدّة ، وكانت واقعة الفرنج بها في سنة سبع وستين وسبعمائة ، وهو مشدّ ، فيقال إنّ ماله الذي وجد له حصله يومئذ ، ثم إنه سار إلى القاهرة فلما كانت أيام الظاهر برقوق خدم أستادارا عند الأمير سودون باق ، ثم استقرّ شادّ الدواوين إلى أن مات الأمير بهادر المنجكيّ أستادار السلطان ، فاستقرّ عوضا عنه في وظيفة الأستادارية يوم الثلاثاء ثالث جمادى الآخرة سنة تسعين وسبعمائة ، ثم خلع عليه في يوم الخميس خامسة ، واستقرّ مشير الدولة ، فصار يتحدّث في دواوين السلطنة الثلاثة ، وهي الديوان المفرد الذي يتحدّث فيه الأستادار ، وديوان الوزارة ويعرف بالدولة ، وديوان الخاص المتعلق بنظر الخواص ، وعظم أمره ونفذت كلمته لتصرّفه في سائر أمور المملكة. فلما زالت دولة الملك الظاهر برقوق بحضور الأمير يلبغا الناصريّ نائب حلب ، في يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة بعساكر الشام إلى القاهرة ، واختفى الظاهر ثم أمسكه ، هرب هو وولده ، فنهبت دوره ، ثم إنه ظهر من الاستتار في يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة ، وقدّم للأمير يلبغا الناصريّ مالا كثيرا فقبض عليه وقيده وسجنه بقلعة الجبل وأقيم بدله في الأستادارية الأمير علاء الدين أقبغا الجوهريّ. فلما زالت دولة يلبغا الناصريّ بقيام الأمير منطاش عليه ، قبض على أقبغا الجوهريّ فيمن قبض عليه من الأمراء ، وأفرج عن الأمير محمود في يوم الاثنين ثامن شهر رمضان ، وألبسه قباء مطرّزا بذهب وأنزله إلى داره ، ثم قبض عليه وسجن بخزانة الخاص في يوم الأحد سادس عشر ذي الحجة في عدّة من الأمراء والمماليك ، عند عزم منطاش على السفر لحرب برقوق عند خروجه من الكرك ومسيره إلى دمشق ، فكانت جملة ما حمله الأمير محمود من الذهب العين للأمير يلبغا الناصريّ وللأمير منطاش ثمانية وخمسين قنطارا من الذهب المصريّ ، منها ثمانية عشر قطنارا في ليلة واحدة ، فلم يزل في الاعتقال إلى أن خرج المماليك مع الأمير بوطا في ليلة الخميس ثاني صفر سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة ، فخرج معهم وأقام بمنزله إلى أن عاد الملك الظاهر برقوق إلى المملكة في رابع عشر صفر ، فخلع عليه واستقرّ أستادار السلطان على عادته في يوم الاثنين تاسع عشري جمادى الأولى من السنة المذكورة ، عوضا عن الأمير قرقماس الطشتمريّ بعد وفاته ، ثم خلع على ولده الأمير ناصر الدين محمد بن محمود في يوم الخميس ثاني عشري صفر سنة أربع وتسعين وسبعمائة ، واستقرّ نائب السلطنة بثغر الإسكندرية عوضا عن الأمير ألطنبغا المعلم ، فقويت حرمة الأمير محمود ونفذت كلمته إلى يوم الاثنين حادي عشر رجب من