وجعل ما بقي من أوقاف جمال الدين على هذه المدرسة ، بعضه وقفا على أولاده ، وبعضه وقفا على التربة التي أنشأها في قبة أبيه الملك الظاهر برقوق خارج باب النصر ، وحكم القضاة الأربعة بصحة هذا الكتاب بعد ما حكموا بصحة كتاب وقف جمال الدين ، ثم حكموا ببطلانه ، ثم لما تمّ ذلك محى من هذه المدرسة اسم جمال الدين ورنكه ، وكتب اسم السلطان الملك الناصر فرج بدائر صحنها من أعلاه ، وعلى قناديلها وبسطها وسقوفها ، ثم نظر السلطان في كتبها العلمية الموقوفة بها فأقرّ منها جملة كتب بظاهر كل سفر منها فصل يتضمن وقف السلطان له ، وحمل كثير من كتبها إلى قلعة الجبل ، وصارت هذه المدرسة تعرف بالناصرية بعد ما كان يقال لها الجمالية.
ولم تزل على ذلك حتى قتل الناصر وقدم الأمير شيخ إلى القاهرة واستولى على أمور الدولة ، فتوصل شمس الدين محمد أخو جمال الدين وزوّج ابنته لشرف الدين أبي بكر بن العجميّ موقع الأستادار الأمير شيخ ، حتى أحضر قضاة القضاة وحكم الصدر عليّ بن الأدميّ قاضي القضاة الحنفيّ بردّ أوقاف جمال الدين إلى ورثته من غير استيفاء الشروط في الحكم بل تهوّر فيه وجازف. ولذلك أسباب منها : عناية الأمير شيخ بجمال الدين الأستادار ، فإنه لما انتقل إليه إقطاع الأمير بحاس بعد موت الملك الظاهر برقوق ، استقرّ جمال الدين استاداره كما كان أستادار بحاس ، فخدمه خدمة بالغة ، وخرج الأمير شيخ إلى بلاد الشام واستقرّ في نيابة طرابلس ، ثم في نيابة الشام ، وخدمة جمال الدين له ولحاشيته ومن يلوذ به مستمرّة ، وأرسل مرّة الأمير شيخ من دمشق بصدر الدين بن الأدميّ المذكور في الرسالة إلى الملك الناصر وجمال الدين حينئذ عزيز مصر ، فأنزله وأكرمه وأنعم عليه وولاه قضاء الحنفية وكتابة السرّ بدمشق ، وأعاده إليه وما زال معتنيا بأمور الأمير شيخ ، حتى أنه اتهم بأنه قد مالأه على السلطان ، فقبض عليه السلطان الملك الناصر بسبب ذلك ونكبه ، فلما قتل الناصر واستولى الأمير شيخ على الأمور بديار مصر ، ولى قضاء الحنفية بديار مصر لصدر الدين عليّ بن الأدميّ المذكور ، وولى أستاداره بدر الدين حسن بن محب الدين الطرابلسيّ أستادار السلطان ، فخدم شرف الدين أبو بكر بن العجميّ زوج ابنة أخي جمال الدين عنده موقعا ، وتمكن منه فأغراه بفتح الدين فتح الله كاتب السرّ حتى أثخن جراحه عند الملك المؤيد شيخ ، ونكبه بعد ما تسلطن ، واستعان أيضا بقاضي القضاة صدر الدين بن الأدميّ ، فإنه كان عشيره وصديقه من أيام جمال الدين ، ثم استمال ناصر الدين محمد بن البارزيّ موقع الأمير الكبير شيخ ، فقام الثلاثة مع شمس الدين أخي جمال الدين حتى أعيد إلى مشيخة خانكاه بيبرس وغيرها من الوظائف التي أخذت منه ، عند ما قبض عليه الملك الناصر وعاقبه ، وتحدّثوا مع الأمير الكبير في ردّ أوقاف جمال الدين إلى أخيه وأولاده ، فإن الناصر غصبها منهم وأخذ أموالهم وديارهم بظلمه إلى أن فقدوا القوت ، ونحو هذا من القول حتى حرّكوا منه حقدا كامنا على الناصر ، وعلموا منه عصبته لجمال الدين هذا ، وغرض القوم في الباطن