بكتمر الساقي : الأمير سيف الدين ، كان أحد مماليك الملك المظفر بيبرس الجاشنكير ، فلما استقرّ الملك الناصر محمد بن قلاون في المملكة بعد بيبرس ، أخذه في جملة من أخذ من مماليك بيبرس ورقاه حتى صار أحد الأمراء الأكابر ، وكتب إلى الأمير تنكز نائب السلطنة بدمشق بعد أن قبض على الأمير سيف الدين طغاي الكبير يقول له : هذا بكتمر الساقي يكون لك بدلا من طغاي ، اكتب إليه بما تريد من حوائجك ، فعظم بكتمر وعلا محله وطار ذكره ، وكان السلطان لا يفارقه ليلا ولا نهارا إلّا إذا كان في الدور السلطانية ، ثم زوّجه بجاريته وحظيته ، فولدت لبكتمر ابنه أحمد ، وصار السلطان لا يأكل إلّا في بيت بكتمر مما تطبخه له أمّ أحمد في قدر من فضة ، وينام عندهم ويقوم ، واعتقد الناس أن أحمد ولد السلطان لكثرة ما يطيل حمله وتقبيله ، ولما شاع ذكر بكتمر وتسامع الناس به قدّموا إليه غرائب كلّ شيء ، وأهدوا إليه كل نفيس ، وكان السلطان إذا حمل إليه أحد من النوّاب تقدمة لا بدّ أن يقدّم لبكتمر مثلها أو قريبا منها ، والذي يصل إلى السلطان يهب له غالبه ، فكثرت أمواله وصارت إشارته لا تردّ ، وهو عبارة عن الدولة ، وإذا ركب كان بين يديه مائتا عصا نقيب ، وعمر له السلطان القصر على بركة الفيل.
ولما مات بطريق الحجاز في سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ، خلف من الأموال والقماش والأمتعة والأصناف والزردخاناه ما يزيد على العادة والحدّ ، ويستحي العاقل من ذكره ، فأخذ السلطان من خيله أربعين فرسا وقال : هذه لي ما وهبته إياها ، وبيع الباقي من الخيل على ما أخذه الخاصكية بثمن بخس بمبلغ ألف ألف درهم فضة ، ومائتي ألف درهم وثمانين ألف درهم فضة ، خارجا عما في الجشارات ، وأنعم السلطان بالزردخاناه والسلاحخاناه التي له على الأمير قوصون بعد ما أخذ منها سرجا واحدا وسيفا ، القيمة عن ذلك ستمائة ألف دينار ، وأخذ له السلطان ثلاثة صناديق جوهرا مثمنا لا تعلم قيمة ذلك ، وبيع له من الصيني والكتب والختم والربعات ، ونسخ البخاريّ والدوايات الفولاذ والمطعمة والبصم بسقط الذهب وغير ذلك ، ومن الوبر والأطلس وأنواع القماش السكندريّ والبغداديّ وغير ذلك شيء كثير إلى الغاية المفرطة ، ودام البيع لذلك مدّة شهور.
وامتنع القاضي شرف الدين النشو ناظر الخاص من حضور البيع واستعفى من ذلك ، فقيل له لأيّ شيء فعلت ذلك؟ قال : ما أقدر أصبر على غبن ذلك ، لأن المائة درهم تباع بدرهم. ولما خرج مع السلطان إلى الحجاز خرج بتجمل زائد وحشمة عظيمة وهو ساقة الناس كلهم ، وكان ثقله وجماله نظير ما للسلطان ، ولكن يزيد عليه بالزركش وآلات الذهب ، ووجد في خزانته بطريق الحجاز بعد موته خمسمائة تشريف ، منها ما هو أطلس بطرز زركش وما دون ذلك من خلع أرباب السيوف وأرباب الأقلام ، ووجد معه قيود وجنازير ، وتنكر السلطان له في طريق الحجاز واستوحش كلّ منهما من صاحبه ، فاتفق أنهم